وفي قوله: ﴿فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ من الفوائد: أن العبد لا يطمئن إلى نفسه ولا يسكن إليها، فإن الشر كامن فيها، لا يجيء إلا منها، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساؤوا إليه، فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه، فيرجع إلى الذنوب، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته. فبذلك يحصل له كل خير، ويندفع عنه كل شر؛ ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾(١). فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة(٢).
... قوله تعالى: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾(٣) أي على القاعدين من أولي الضرر(٤)، بدليل قول الله تعالى: ﴿وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾(٥).

(١) سورة الفاتحة، الآية: ٦، ٧.
(٢) شرح العقيدة الطحاوية، ص (٥١٨، ٥١٩) ومن قوله: "وفي قوله: ﴿فَمِنْ نَفْسِكَ﴾" إلى أخر الكلام منقول من كتاب الحسنة والسيئة لشيخ الإسلام، ص (٨٣).
(٣) سورة النساء، الآية: ٩٥.
(٤) انظر جامع البيان (٩/ ٩٥)، والمحرر الوجيز (٤/٢٢١) فقد فسّر ابن جرير الآية به ولم يذكر غيره، ونقله ابن عطية أيضاً. وذكر ابن الجوزي في زاد المسير (٢/١٧٤) قولين في الآية. هذا الذي ذكره المؤلف. والثاني: أن التفضيل بالدرجة على القاعدين من غير ضرر. وأرجح القولين ما ذهب إليه المؤلف، لما ذكر، ولأن الله ذكر في أخر الآية التفضيل على القاعدين من غير عذر بقوله: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ انظر زاد المسير (٢/١٧٥).
(٥) التنبيه على مشكلات الهداية ص (٢٢٠، ٥٥٦) تحقيق أنور.


الصفحة التالية
Icon