النوع الثاني: من لهم عبادات وأوراد ولكن حظهم ناقص من التوكل والاستعانة لم تتسع قلوبهم لارتباط الأسباب بالقدر وتلاشيها في ضمنه وقيامها به وأنها بدون القدر كالموات الذي لا تأثير له بل كالعدم الذي لا وجود له وأن القدر كالروح المحرك لها والمعول على المحرك الأول، فلم تنفذ قوى بصائرهم من المتحرك إلى المحرك ومن السبب إلى المسبب ومن الآلة إلى الفاعل فضعفت عزائمهم وقصرت هممهم فقل نصيبهم من إياك نستعين ولم يجدوا ذوق التعبد بالتوكل والاستعانة وإن وجدوا ذوقه بالأوراد والوظائف.
فهؤلاء لهم نصيب من التوفيق والنفوذ والتأثير بحسب استعانتهم وتوكلهم ولهم من الخذلان والضعف والمهانة والعجز بحسب قلة استعانتهم وتوكلهم ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه وكان مأمورا بإزالته لأزاله
القسم الرابع: وهو من شهد تفرد الله بالنفع والضر وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولم يدر مع ما يحبه ويرضاه فتوكل عليه واستعان به على حظوظه وشهواته وأغراضه وطلبها منه وأنزلها به فقضيت له وأسعف بها سواء كانت أموالا أو رياسة أو جاها عند الخلق أو أحوالا من كشف وتأثير وقوة وتمكين ولكن لا عاقبة له فإنها من جنس الملك الظاهر والأموال لا تستلزم الإسلام فضلا عن الولاية والقرب من الله فإن الملك والجاه والمال والحال معطاة للبر والفاجر والمؤمن والكافر فمن استدل بشيء من ذلك على محبة الله لمن آتاه إياه ورضاه عنه وأنه من أوليائه المقربين فهو من أجهل الجاهلين وأبعدهم عن معرفة الله ومعرفة دينه والتمييز بين ما يحبه ويرضاه ويكرهه ويسخطه فالحال من الدنيا فهو كالملك والمال إن أعان صاحبه على طاعة الله ومرضاته وتنفيذ أوامره ألحقه بالملوك العادلين البررة وإلا فهو وبال على صاحبه ومبعد له عن الله وملحق له بالملوك الظلمة والأغنياء الفجرة.
الفصل السادس والخمسون
كيف يتحقق العبد بهذين الأصلين