وأما مرتبة المقربين فالقيام بالواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات زاهدين فيما لا ينفعهم في معادهم متورعين عما يخافون ضرره، وخاصتهم قد انقلبت المباحات في حقهم طاعات وقربات بالنية؛ فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين بل كل أعمالهم راجحة ومن دونهم يترك المباحات مشتغلا عنها بالعبادات وهؤلاء يأتونها طاعات وقربات ولأهل هاتين المرتبتين درجات لا يحصيها إلا الله.
الفصل الستون
في بيان مدار رحى العبودية
رحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب العبودية؛ وبيانها:
أن العبودية منقسمة على القلب اللسان والجوارح وعلى كل منها عبودية تخصه.
والأحكام التي للعبودية خمسة واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح وهي لكل واحد من القلب واللسان والجوارح.
فواجب القلب منه متفق على وجوبه ومختلف فيه.
فالمتفق على وجوبه كالإخلاص والتوكل والمحبة والصبر والإنابة والخوف والرجاء والتصديق الجازم والنية في العبادة وهذه قدر زائد على الإخلاص فإن الإخلاص هو إفراد المعبود عن غيره.
ونية العبادة لها مرتبتان:
إحداهما تمييز العبادة عن العادة.
والثانية تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض.
والأقسام الثلاثة واجبة.
وكذلك الصدق والفرق بينه وبين الإخلاص أن للعبد مطلوبا وطلبا فالإخلاص توحيد مطلوبه والصدق توحيد طلبه.
فالإخلاص أن لا يكون المطلوب منقسما والصدق أن لا يكون الطلب منقسما فالصدق بذل الجهد، والإخلاص إفراد المطلوب.
واتفقت الأمة على وجوب هذه الأعمال على القلب من حيث الجملة.
وكذلك النصح في العبودية ومدار الدين عليه وهو بذل الجهد في إيقاع العبودية على الوجه المحبوب للرب المرضي له وأصل هذا واجب وكماله مرتبة المقربين.
وكذلك كل واحد من هذه الواجبات القلبية له طرفان واجب مستحق وهو مرتبة أصحاب اليمين وكمال مستحب وهو مرتبة المقربين.


الصفحة التالية
Icon