وكذا قوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) [البقرة ٢١٧] المقصود إنما هو السؤال عن القتال في الشهر الحرام لا عن نفس الشهر، وهذا ظاهر جداً في بدل البعض وبدل الاشتمال؛ ويراعى في بدل الكل من الكل، ولهذا سمي بدلاً، إيذاناً بأنه المقصود.
فقوله (لنسفعن بالناصية) ناصية كاذبة خاطئة، المقصود: لنسفعن بالناصية الكاذبة الخاطئة؛ وذكر المبدل منه توطئة لها.
وإذا عرف هذا فالمقصود هنا ذكر المنعم عليهم وإضافة الصراط إليهم؛ ومن تمام هذا المقصود وتكميله الإخبار بمغايرتهم للمغضوب عليهم فجاء ذكر غير المغضوب مكملاً لهذا المعنى ومتمماً ومحققاً، لأن أصحاب الصراط المسئول هدايته هم أهل النعمة فكونهم غير مغضوب عليهم وصف محقق؛ وفائدته فائدة الوصف المبين للموصوف المكمل له وهذا واضح.
الوجه الثاني: أن البدل يجري مجرى توكيد المبدل وتكريره وتثنيته؛ ولهذا كان في تقدير تكرار العامل، وهو المقصود بالذكر كما تقدم فهو الأول بعينه ذاتاً ووصفاً؛ وإنما ذكر بوصف آخر مقصود بالذكر كقوله (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم)، ولهذا يحسن الاقتصار عليه دون الأول، ولا يكون مخلاً بالكلام؛ ألا ترى أنك لو قلت في غير القرآن: لله حج البيت على من استطاع إليه السبيل، لكان كاملاً مستقيماً لا خلل فيه؛ ولو قلت في دعائك: رب اهدني صراط من أنعمت عليه من عبادك لكان مستقيماً، وإذا كان كذلك فلو قدر الاقتصار على (غير) وما في حيزها لاختل الكلام وذهب معظم المقصود منه، إذ المقصود إضافة الصراط إلى الذين أنعم الله عليهم لا إضافته إلى غير المغضوب عليهم بل أتى بلفظ غير زيادة في وصفهم والثناء عليهم؛ فتأمله.