فأفاد ما يفيد العطف مع زيادة الثناء عليهم ومدحهم فإنه يتضمن صفتين ثبوتية وهي كونهم منعماً عليهم، وصفة سلبية وهي كونهم غير مستحقين لوصف الغضب وأنهم مغايرون لأهله.
ولهذا لما أريد بها هذا المعنى جرت [غير] صفةً على المنعم عليهم، ولم تكن صفة منصوبة على الاستثناء، لأنه يزول منها معنى الوصفية المقصود.
وفيها فائدة أخرى وهي أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى ادعوا أنهم هم المنعم عليهم دون أهل الإسلام فكأنه قيل لهم: المنعم عليهم غيركم لا أنتم، وقيل للمسلمين: المغضوب عليهم غيركم لا أنتم؛ فالإتيان بلفظة غير في هذا السياق أحسن وأدل على إثبات المغايرة المطلوبة؛ فتأمله.
وتأمل كيف قال (المغضوب عليهم ولا الضالين) ولم يقل: اليهود والنصارى، مع أنهم هم الموصوفون بذلك تجريداً لوصفهم بالغضب والضلال الذي به غايروا المنعم عليهم، ولم يكونوا منهم بسبيل، لأن الإنعام المطلق ينافي الغضب والضلال، فلا يثبت لمغضوب عليه ولا ضال، فتبارك من أودع كلامه من الأسرار ما يشهد بأنه تنزيل من حكيم حميد).
الفصل الثالث والستون
في بيان أفضلية استعمال (لا) في قوله تعالى (ولا الضالين) على (غير)
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (٢/٢٧١-٢٧٢) في جوابه على هذا السؤال (ما فائدة العطف بـ(لا) هنا ولو قيل: المغضوب عليهم والضالين، لم يختل الكلام وكان أوجز؟):
(في ذلك أربع فوائد:
أحدها: أن ذكرها تأكيد للنفي الذي تضمنه (غير)، فلولا ما فيها من معنى النفي لما عطف عليها بـ(لا) مع الواو فهو في قوة لا المغضوب عليهم ولا الضالين أو غير المغضوب عليهم وغير الضالين.
الفائدة الثانية: أن المراد المغايرة الواقعة بين النوعين وبين كل نوع بمفرده فلو لم يذكر (لا) وقيل: (غير المغضوب عليهم والضالين): أوهم أن المراد ما غاير المجموع المركب من النوعين، لا ما غاير كل نوع بمفرده؛ فإذا قيل: (ولا الضالين) كان صريحاً في أن المراد صراط غير هؤلاء وغير هؤلاء.