فإن قيل: السورة لم تفتتح بالتكبير وقد ذكرت أنه أعلى رتبة؟ قلت: العلو المذكور مقيد بالاجتماع مع الأذكار الأخرى كما تقدم؛ وأما عند الانفراد فالتحميد هو الأكمل الأشمل لأن الحمد هو إثبات صفات الكمال المطلق ومنها الوحدانية في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات؛ ومن الكمال المطلق انتفاء النقص وهو معنى التسبيح؛ ومن مقتضى إثبات الكمال المطلق ثبوت صفات عظمة وكمال أكبر مما تدركه عقول البشر، وهو معنى التكبير.
وثم جواب آخر وهو أن القائل (الحمد لله) في هذا الموضع هو الله تبارك وتعالى، وكلمة الحمد لله في كلام الله لا شيء من الكلام المجمل أكبر وأشمل وأعلى منها؛ لأنه تعالى كما أثنى على نفسه، وذلك بخلاف كلمة (الحمد لله) إذا قالها الناس ابتداء من غير تلاوة لما في القرآن.
وعلى كل حال فليس معنى ما تقدم التفضيل المطلق لهذا الذكر أعني (الله أكبر) على الآخر أي (الحمد لله) بل المفاضلة بينهما تتأثر بالمقام والأسباب والأحوال والمقاصد ونحو ذلك.
***
المثال الثالث: قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين)، هذه الآيات الثلاث تتضمن الإيمان بالله وباليوم الآخر؛ وهما المعنيان اللذان يكثر اقترانهما في القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
***
المثال الثالث: (الحمد لله) تعني أن الله تعالى محمود في ذاته؛ و (رب العالمين) عقب (الحمد لله) تعني أن الله تعالى محمود في ربوبيته أي في أفعاله وصفاته المتعلقة بأفعاله؛ و(الرحمن الرحيم) بعد ذلك تعني أنه تعالى محمود في صفاته، وفي أفعاله الدالة على رحمته؛ أي هو محمود في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.