والخلق والإيجاد والتدبير والفعل من صفة الربوبية.
والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار من صفة الملك وهو ملك يوم الدين.
فأمرهم بإلهيته.
وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته.
وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله.
وكل واحدة من هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى.
وأما الرحمة فهي التعلق والسبب الذي بين الله وبين عباده.
فالتأليه منهم له.
والربوبية منه لهم.
والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده بها أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وبها هداهم وبها أسكنهم دار ثوابه وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم فبينهم وبينه سبب العبودية وبينه وبينهم سبب الرحمة.
***
المثال الحادي عشر: اقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته فـ(الرحمن على العرش استوى) مطابق لقوله (رب العالمين الرحمن الرحيم) فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها يقابل شمول الرحمة وسعتها، فوسع كل شيء برحمته وربوبيته؛ مع أن في كونه رباً للعالمين ما يدل على علوه على خلقه وكونه فوق كل شيء، كما صرح بذلك قوله (الرحمن على العرش استوى) والعرش أعلى المخلوقات وأكبرها.
***
المثال الثاني عشر: جمع تعالى بين العبادة والاستعانة فإن العبادة لا تحصل إلا بالعون؛ وقدم الإقرار باستحقاق العبودية لله وحده على الدعاء بالعون، لأنه من باب تقديم الوسائل على المسائل؛ وبهذه المناسبة فإن في قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) ثلاث أوجه من البلاغة:
الأول: تقديم الوسيلة على الحاجة، فقدم العبادة على الاستعانة وهو من باب تقديم الوسائل بين يدي المطالب؛ كما تقدم.
الثاني: تقديم حق المعبود على حظ العبد.
الثالث: إفراد الله بالعبودية.
***
المثال الثالث عشر: قدم المفعول (إياك) للتخصيص والاعتناء والتهمم؛ فقول العبد (إياك نعبد) معناه نخصك بالعبادة؛ وفيه أيضاً أنه قدم ذكر معبود على ذكر نفسه.
ولبيان حكمة تقديم إياك نعبد على إياك نستعين على وجه أكثر تفصيلاً يقال: