الأول: أن القارئ أو السامع لما ذكر عظمة الله تعالى فذكر أنه مستحق للحمد كله وأنه رب العالمين وأنه رحمن رحيم وأنه مالك أعظم وأخطر يوم وهو يوم الدين فعندئذ يفترض أن يقوم في قلبه من حب الله وخوفه ورجائه وتعظيمه والذل له ونحو ذلك من معاني العبادة قدر لا يثبت أن يلجأ إلى الله مباشرة فيخاطبه مخاطبة من كأنه يراه فيقول مقراً له بتلك المعاني المعبر عن مجموعها بالعبادة: (إياك نعبد) ثم يتم أسئلته من الله تبارك وتعالى على نفس الصيغة.
الثاني: أن القارئ كأنه لم يكن على تمام التهيؤ والاستحقاق لمخاطبة الله تبارك وتعالى فيخبر عنه ويثني عليه بصيغة الغيبة فكأنه عنده مع الانشغال بذكر الله نوع انشغال بتصور إجمالي للعالمين وللحمد ولغير ذلك؛ ولكن بعد ذلك الحمد والتمجيد والثناء صار العبد أهلاً لمخاطبة الله تبارك وتعالى فكأن الله تعالى أقبل عليه فخاطبه؛ والله أعلم.
الفصل الثلاثون
الأدب في الدعاء والحكمة والبلاغة فيه
ورد في الفاتحة سؤال الهداية بطريقة الإجمال، وذلك من جهتين: من جهة إحالة المعنى إلى معنى الصراط المستقيم، ومن جهة عدم تفسير الصراط بأكثر من كونه صراط الذين أنعم الله عليهم؛ وفي هذا الأسلوب أدب عظيم.
فقد فوض أمر تفاصيل الصراط إلى الله لأنه به أعلم وهو من باب التأدب مع الله.
لما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب ونيله أشرف المواهب علم الله عباده كيفية سؤاله وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم توسل إليه بأسمائه وصفاته وتوسل إليه بعبوديته وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء ويؤيدهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم اللذين رواهما ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد والترمذي:


الصفحة التالية
Icon