كل طائفة من الطوائف الثلاث لها وصف حالي وسبب له وعاقبة مبتنية عليه؛ ولقد وصف الله تعالى كل طائفة بأليق أوصافها وأولاها بها؛ فأولى أوصاف اليهود ومن لف لفهم أنهم مغضوب عليهم، ولا شك أنهم قد غضب الله عليهم فكتب عليهم الضلال وقدر لهم الغضب قبل أن يخلقوا وهم في الدنيا مغضوب عليهم ولكن أظهر أحوالهم الغضبية يوم القيامة عند الجزاء؛ وكذلك الضالون كتب عليهم الضلال قبل أن يخلقهم ثم هم ضالون في حياتهم الدنيا ودلائل ضلالهم فيها ظاهرة جداً وكذلك يضلون طريق الجنة في الآخرة؛ وكذلك أهل الهداية والاستقامة من الله عليهم بتقدير الهداية ثم هم مهتدون في الدنيا منعم عليهم بنعمة الهداية وبآثارها وبركاتها وهي أعظم نعمة ثم إنهم سينعم الله عليهم برحمته بأعظم نعمة وسعادة وهي رؤيته تبارك وتعالى وإدخالهم جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين.
قال ابن القيم في (بدائع الفوائد) (٢/٢٧٠) في جواب هذا المسألة (لِمَ أتى في أهل الغضب بصيغة مفعول المأخوذة من فعل ولم يأت في أهل الضلال بذلك فيقال المضلين بل أتى فيهم بصيغة فاعل المأخوذة من فعل؟): (جوابها ظاهر فإن أهل الغضب من غضب الله عليهم وأصابهم غضبه فهم مغضوب عليهم وأما أهل الضلال فإنهم هم الذين ضلوا وآثروا الضلال واكتسبوه ولهذا استحقوا العقوبة عليه ولا يليق أن يقال ولا المضلين مبنيا للمفعول لما في رائحته من إقامة عذرهم وأنهم لم يكتسبوا الضلال من أنفسهم بل فعل فيهم.


الصفحة التالية
Icon