وللهداية مرتبة أخرى وهي آخر مراتبها وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة وهو الصرط الموصل إليها فمن هدى في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه هدى هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالطرف ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الركاب ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يحبو حبوا ومنهم المخدوش المسلم ومنهم المكردس في النار فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا حذو القذة بالقذة جزاء وفاقاً، هل تجزون إلا ما كنتم تعملون.
ولينظر الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك (وما ربك بظلام للعبيد) فسؤال الهداية متضمن لحصول كل خير والسلامة من كل شر.
الموضع السابع: من معرفة نفس المسئول وهو الصراط المستقيم ولا تكون الطريق صراطاً حتى تتضمن خمسة أمور: الاستقامة والإيصال إلى المقصود والقرب وسعته للمارين عليه وتعينه طريقا للمقصود.
الموضع الثامن: من ذكر المنعم عليهم وتمييزهم عن طائفتي الغضب والضلال.
فانقسم الناس بحسب معرفة الحق والعمل به إلى هذه الأقسام الثلاثة لأن العبد إما أن يكون عالما بالحق أو جاهلاً به والعالم بالحق إما أن يكون عاملاً بموجبه أو مخالفا له فهذه أقسام المكلفين لا يخرجون عنها ألبتة فالعالم بالحق العامل به هو المنعم عليه وهو الذي زكى نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح وهو المفلح؛ (قد أفلح من زكاها) [٩١/٩].