وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: (إياك نعبد) تدفع الرياء، و(إياك نستعين) تدفع الكبرياء.
فإذا عوفي من مرض الرياء بـ(إياك نعبد) ومن مرض الكبرياء والعجب بـ(إياك نستعين) ومن مرض الضلال والجهل بـ(اهدنا الصراط المستقيم) عوفي من أمراضه وأسقامه ورفل في أثواب العافية وتمت عليه النعمة وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وهم أهل فساد القصد الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه والضالين وهم أهل فساد العلم الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه.
وحق لسورة تشتمل على هذين الشفاءين أن يستشفى بها من كل مرض ولهذا لما اشتملت على هذا الشفاء الذي هو أعظم الشفاءين كان حصدك الشفاء الأدنى بها أولى كما سنبينه فلا شيء أشفى للقلوب التي عقلت عن الله وكلامه وفهمت عنه فهما خاصاً اختصها به من معاني هذه السورة.
وسنبين إن شاء الله تعالى تضمنها للرد على جميع أهل البدع بأوضح البيان وأحسن الطرق.
الفصل الخامس والأربعون
في بيان اشتمال الفاتحة على شفاء الأبدان
وأما تضمنها لشفاء للأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنة وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة.
فأما ما دلت عليه السنة ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن ناساً من أصحاب النبي مروا بحي من العرب فلم يقروهم ولم يضيفوهم فلدغ سيد الحي فأتوهم فقالوا هل عندكم من رقية أو هل فيكم من راق فقالوا: نعم ولكنكم لم تقرونا فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم على ذلك قطيعاً من الغنم فجعل رجل منا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب فقام كأن لم يكن به قلبة فقلنا: لا تعجلوا حتى نأتي النبي فأتيناه فذكرنا له ذلك فقال ما يدريك أنها رقية كلوا واضربوا لي معكم بسهم.
فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه مالم يبلغه الدواء.