وجعل الله سبحانه البشارة المطلقة لعباده فقال تعالى فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وجعل الأمن المطلق لهم فقال تعالى: (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) وعزل الشيطان عن سلطانه عليهم خاصة وجعل سلطانه على من تولاه وأشرك به فقال: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) وقال: (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) وجعل النبي إحسان العبودية أعلى مراتب الدين وهو الإحسان فقال في حديث جبريل وقد سأله عن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته مع الخضوع له والانقياد لأمره؛ فأصل العبادة محبة الله بل إفراده بالمحبة وأن يكون الحب كله لله فلا يحب معه سواه وإنما يحب لأجله وفيه كما يجب أنبياءه ورسله وملائكته وأولياءه فمحبتنا لهم من تمام محبته وليست محبة معه كمحبة من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحبه.
وإذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه فعند اتباع الأمر واجتناب النهي تتبين حقيقة العبودية والمحبة ولهذا جعل تعالى اتباع رسوله علما عليها وشاهدا لمن ادعاها فقال تعالى: [٣ ٣١] (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فجعل اتباع رسوله مشروطاً بمحبتهم لله وشرطا لمحبة الله لهم ووجود المشروط ممتنع بدون وجود شرطه وتحققه بتحققه فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة فانتفاء محبتهم لله لازم لانتفاء المتابعة لرسوله وانتفاء المتابعة ملزوم لانتفاء محبة الله لهم فيستحيل إذا ثبوت محبتهم لله وثبوت محبة الله لهم بدون المتابعة لرسوله.