قال ابن القيم: وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية قدس الله روحه يقول: كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟! وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
ومعلوم أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفطر من وجود النهار ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهمها.
وإذا بطل قول هؤلاء بطل قول أهل الإلحاد القائلين بوحدة الوجود وأنه ما ثم وجود قديم خالق ووجود حادث مخلوق بل وجود هذا العالم هو عين وجود الله وهو حقيقة وجود هذا العالم.
الفصل الثامن والأربعون
في بيان تضمن الفاتحة الرد على المشركين في الربوبية
المثبتون للخالق تعالى نوعان أهل توحيد وأهل إشراك وأهل الإشراك نوعان:
أحدهما: أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته.
الثاني: أهل الإشراك به في إلهيته.
أما أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته، كالمجوس ومن ضاهاهم من القدرية فإنهم يثبتون مع الله خالقا آخر وإن لم يقولوا إنه مكافىء له والقدرية المجوسية تثبت مع الله خالقين للأفعال ليس أفعالهم مقدورة لله ولا مخلوقة لهم وهي صادرة بغير مشيئته ولا قدرة له عليها ولا هو الذي جعل أربابها فاعلين لها بل هم الذين جعلوا أنفسهم شائين مريدين فاعلين؛ فربوبية العالم الكاملة المطلقة الشاملة تبطل أقوال هؤلاء كلهم لأنها تقتضي ربوبيته لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال.
مع أن في عموم حمده ما يقتضي حمده على طاعات خلقه إذ هو المعين عليها والموفق لها وهو الذي شاءها منهم كما قال في غير موضع من كتابه: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) [٧٦: ٣٠]؛ فهو محمود على أن شاءها لهم وجعلهم فاعليها بقدرته ومشيئته فهو المحمود عليها في الحقيقة وعندهم أنهم هم المحمودون عليها ولهم الحمد على فعلها.