ففي " صحيح البخاري " (٢٠)أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان من فتح أرمينية وأذربيجان، وقد أفزعه اختلافهم في القراءة، فقال : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، ففعلت، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وكان زيد بن ثابت أنصاريا والثلاثة قرشيين – وقال عثمان للرهط الثلاثة القرشيين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ؛ فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
وقد فعل عثمان رضي الله عنه هذا بعد أن استشار الصحابة رضي الله عنهم، لما روي أبن أبي داود (٢١)عن على رضي الله عنه أنه قال : والله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملاء منا، قال : أرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا، فنعم ما رأيت.
وقال مصعب بن سعد(٢٢): أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك، أو قال : لم ينكر ذلك منهم أحد، وهو من حسنان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه التي وافقه المسلمون عليها، وكانت مكملة لجمع خليفة رسول الله ﷺ أبي بكر رضي الله عنه.
والفرق بين جمعه وجمع أبي بكر رضي الله عنهما أن الغرض من جمعه في عهد أبي بكر الله عنه تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف، حتى لا يضيع منه شئ دون أن يحمل الناس على الاجتماع على مصحف واحد ؛ وذلك أنه لم يظهر أثر لاختلاف قراءاتهم يدعو إلى حملهم على الاجتماع على مصحف واحد.