علا عليه - عز وجل - العلو الخاص بالعرش، وهذا غير العلو المطلق على جميع المخلوقات، وتارة يتعدى بإلى، ويقال: استوى إلى كذا، فيفسر بأنه القصد والانتهاء، ومنه قوله تعالى: ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخان ﴾ وتارة يقيد بالواو فيكون معناه التساوي مثل قولهم: استوى الماء والخشبة، أي ساواه، فقوله هنا: ﴿فاستوى ﴾ يحتمل أن المعنى استوى على؛ لأن جبريل ينزل من السماء، فيلقي الوحي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يصعد إلى السماء، ويحتمل معناه كمل، ويكون كامل القوة، والهيئة، وكامل من كل وجه مما يليق بالمخلوقات، ﴿وهو ﴾، أي جبريل عليه الصلاة والسلام﴿بالأُفق الأَعلى ﴾ أي: الأرفع، وهو أفق السماء، ﴿ثم دنا ﴾أي من النبي ﷺ، ﴿فتدلى ﴾ أي: قرب من فوق، ﴿فكان ﴾ أي: جبريل من النبي ﷺ ﴿قاب قوسين أو أدنى ﴾، وهذا مثل يضرب للقرب، ﴿قاب قوسين ﴾ يعني قريباً جداً، بل أدنى، فقوله ﴿أو أدنى ﴾ بمعنى بل، أي بل هو أدنى من ذلك، ﴿فأوحى ﴾ أي: جبريل ﴿إلى عبده مآ أوحى ﴾ أي: إلى عبدالله، فالضمير في ﴿أوحى ﴾ يعود على جبريل والضمير في ﴿عبده ما أوحى ﴾ يعود إلى الله عز وجل، أي: أوحى جبريل إلى عبدالله ما أوحى، ولم يبين ما أوحى به تعظيماً له، لأن الإبهام يأتي مراداً به التفخيم والتعظيم، ومنه قوله تعالى: ﴿فغشيهم من اليم ما غشيهم ﴾ أي: غشيهم شيء عظيم، وهنا أوحى إلى عبده ما أوحى أي من الشيء العظيم، ولا كلام أعظم من القرآن الكريم؛ لأنه كلام الله - عز وجل -.
ثم قال الله تبارك وتعالى في قصة المعراج: ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى ﴾ اعلم أيها الأخ المسلم أن للنبي ﷺ إسراءً ومعراجاً، فالإسراء ذكره الله في سورة الإسراء. والمعراج ذكره الله في سورة النجم وكلاهما في ليلة واحدة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، أو سنة ونصف، اختلف المؤرخون في هذا، ثم إن الإسراء والمعراج كان ببدن الرسول صلى الله عليه


الصفحة التالية
Icon