العادة أن الإنسان إذا دخل منزلاً غريباً تجده ينظر يميناً وشمالاً في هذا المنزل، وخصوصاً إذا تغير تغيراً عظيماً في هذه اللحظة، لابد أن ينظر ما الذي حدث، لكن لكمال أدب النبي ﷺ ورباطة جأشه صلوات الله وسلامه عليه وتحمله ما لا يتحمله بشر سواه صار في هذا الأدب العظيم، ولهذا قال تعالى عنه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾.
ثم قال - عز وجل -: ﴿لقد رأى من آيات ربه الكبرى ﴾ وأنت أخي المسلم القارىء للقرآن يمر بك مثل هذا التعبير دائماً ﴿ولقد رءاه ﴾، ﴿لقد خلقنا الإنسان في كبد ﴾، ﴿ولقد خلقنا الإنسان من سللة من طين ﴾ والأمثلة كثيرة، هذه الجملة يقول العلماء: إنها مؤكدة بأنواع ثلاثة من المؤكدات: الأول: قسم مقدر، والثاني: اللام. والثالث: قد، لأن المعنى: (والله لقد) فتكون جملة مؤكدة بالقسم واللام، وقد، والقسم مقدر لكن دل عليه السياق، ورأى يعني النبي ﷺ ﴿من آيات ربه الكبرى ﴾، الآية هي العلامة المخصصة لمدلولها التي لا يشركه فيها أحد، وإلا لم تكن آية، فالآية لابد أن تكون خاصة بمدلوها، فليس كل علامة آية، بل هي التي تختص بمدلولها، فهذا الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام من آيات الله كبير عظيم، وقوله ﴿الكبرى ﴾ قيل: إنها مفعول ثان لرأى، أي: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، وقيل: إن الكبرى صفة لآياته، والمعنى أنه رأى من آيات الله الكبيرة، والثاني أصح وأقرب، يعني أنه رأى من الآيات الكبرى ما رأى، وليس ما رآه أكبر شيء، بل قد يكون هناك شيء أكبر لا نعلمه، والحاصل أن الرسول ﷺ رأى في هذا المعراج من آيات الله الكبير ما لم يكن يره من قبل، وما لا يستطيع الصبر عليه أحد من البشر، ونحن لو رأينا سرادقاً عظيماً لملك من الملوك لانبهرنا وتعجبنا، وجعلنا نلتفت يميناً وشمالاً، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتغير عقله ولا اتزانه، بل كان على أكمل ما يكون الاتزان، وإلا فقد أسري به


الصفحة التالية
Icon