السفن على هذا النحو، ﴿تجري﴾ أي: تسير على هذا الماء العظيم الذي بلغ قمم الجبال، والتقى فيه ماء الأرض وماء السماء، ﴿بأعيننا﴾ أي: ونحن نراها بأعيننا، ونكلأها ونحفظها، والباء في قوله: ﴿بأعيننا﴾ للمصاحبة يعني أن عين الله - عز وجل - تصحب هذه السفينة، فيراها الله - عز وجل - ويكلأها ويحفظها، لأنها سفينة بنيت لتقوى الله - عز وجل - وإنجاء أولياءه من الغرق، الذي شمل أعداءه ﴿جزاءً لمن كان كفر﴾ أي: مكافأة لمن كان كُفِر به وهو نوح عليه الصلاة والسلام - لأن قومه كفروا به وكذبوه - فبين الله - عز وجل - أن إنجاء نوح بهذه السفينة كان جزاء له، والله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين أكثر من إحسانهم ﴿ولقد تركناها آيةً﴾ الضمير (هاء) اختلف فيها المفسرون هل المعنى: ولقد تركنا هذه القصة - وهي قصة نوح - وإغراق قومه، أبقيناها آية لمن يأتي بعدهم، الوجه الثاني: ولقد تركناها، أي: السفينة، والمراد الجنس، أي جنس هذه السفينة أبقيناها آية لمن بعد نوح، وكلا الأمرين محتمل، والقاعدة في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين لا ينافي بعضهما الآخر، وليس أحدهما بأرجح من الآخر، فإنها تحمل على المعنيين جميعاً، فنقول: إن الله ترك القصة آية وعبرة لمن يأتي بعد نوح، وترك السفينة آية وعبرة يصنع مثلها من يأتي بعده، ويدل لهذا القول وأنه غير ممتنع، أن الضمائر أحياناً تعود إلى الجنس لا إلى الفرد، نظير قول الله تبارك وتعالى: ﴿ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين﴾ ﴿ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ﴾ المراد بالإنسان آدم، ﴿ثم جعلناه نطفةً﴾ ليس آدم هو الذي جعل نطفة في قرار مكين، بل الإنسان الذي هو جنس آدم، وهم بنو آدم، ومثل ذلك عند بعض العلماء قوله تعالى: ﴿ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير ﴾ ليست المصابيح التي في السماء هي التي ترجم الشياطين، ولكنها شهب تخرج


الصفحة التالية
Icon