المادة، والجن من هذه المادة، وأيهما خير التراب أم النار؟ التراب خير، لا شك فيه، ومن أراد أن يطلع على ذلك فليرجع إلى كلام ابن القيم - رحمه الله - في كتاب «إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان» ﴿رب المشرقين ورب المغربين ﴾ يعني هو رب، فهي خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو رب المشرقين ورب المغربين، يعني أنه مالكهما ومدبرهما، فما من شيء يشرق إلا بإذن الله، ولا يغرب إلا بإذن الله وما من شيء يحوزه المشرق والمغرب إلا لله - عز وجل - وثنى المشرق هنا باعتبار مشرق الشتاء ومشرق الصيف، فالشمس في الشتاء تشرق من أقصى الجنوب، وفي الصيف بالعكس، والقمر في الشهر الواحد يشرق من أقصى الجنوب ومن أقصى الشمال، وفي آية أخرى قال الله تعالى: ﴿فلا أقسم برب المشارق والمغارب﴾ فجمعها، وفي آية ثالثة ﴿رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً ﴾ فما الجمع بينها؟ نقول: أما التثنية فباعتبار مشرقي الشتاء والصيف، أما جمع المغارب والمشارق فباعتبار مشرق كل يوم ومغربه، لأن الشمس كل يوم تشرق من غير المكان الذي أشرقت منه بالأمس، فالشمس يتغير شروقها وغروبها كل يوم، ولاسيما عند تساوي الليل والنهار، فتجد الفرق دقيقة، أو دقيقة ونصفاً بين غروبها بالأمس واليوم، وكذلك الغروب، أو باعتبار الشارقات والغاربات، لأنها تشمل الشمس والقمر والنجوم، وهذه لا يحصيها إلا الله - عز وجل -، أما قوله: ﴿رب المشرق والمغرب﴾ فباعتبار الناحية، لأن النواحي أربع: مشرق، ومغرب، وشمال، وجنوب، ﴿فبأي ءالآء ربكما تكذبان ﴾ أي: بأي شيء من نعم الله تكذبان يا معشر الجن والإنس؟ فما جوابنا على هذه الاستفهامات بهذه الآيات كلها؟ جوابنا: ألا نكذب بشيء من آلائك يا ربنا، ولهذا ورد حديث في إسناده ضعف عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله ﷺ على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: «لقد قرأتها على الجن، ليلة الجن، فكانوا أحسن


الصفحة التالية
Icon