الغواصين يغوصون إليها ويشربون منها كأعذب ماء، ومع ذلك لا تفسدها مياه البحار، فإذا ثبت ذلك فلا مانع من أن نقول بقول علماء الجغرافيا وقول علماء التفسير، والله على كل شيء قدير ﴿فبأي ءالآء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾ أي: يخرج من البحرين العذب والمالح اللؤلؤ والمرجان، وهو قطع من اللؤلؤ أحمر جميل الشكل واللون مع أنها مياه، وقوله تعالى: ﴿منهما﴾ أضاف الخروج إلى البحرين العذب والمالح، وقد قيل: إن اللؤلؤ لا يخرج إلا من المالح ولا يخرج من العذب، والذين قالوا بهذا اضطربوا في معنى الآية، كيف يقول الله ﴿منهما﴾ وهو من أحدهما؟ فأجابوا: بأن هذا من باب التغليب، والتغليب أن يغلب أحد الجانبين على الآخر، مثلما يقال: العمران، لأبي بكر وعمر، ويقال: القمران، للشمس والقمر، فهذا من باب التغليب، فـ ﴿منهما﴾ المراد واحد منهما، وقال بعضهم: بل هذا على حذف مضاف، والتقدير: يخرج: من أحدهما، وهناك قول ثالث: أن تبقى الآية على ظاهرها لا تغليب ولا حذف، ويقول ﴿منهما﴾ أي: منهما جميعاً يخرج اللؤلؤ والمرجان، وإن امتاز المالح بأنه أكثر وأطيب.
فبأي هذه الأقوال الثلاثة، نأخذ؟ نأخذ بما يوافق ظاهر القرآن، فالله - عز وجل - يقول: ﴿يخرج منهما﴾ وهو خالقهما وهو يعلم ماذا يخرج منهما، فإذا كانت الآية ظاهرها أن اللؤلؤ يخرج منهما جميعاً وجب الأخذ بظاهرها، لكن لا شك أن اللؤلؤ من الماء المالح أكثر وأطيب، لكن لا يمنع أن نقول بظاهر الآية، بل يتعين أن نقول بظاهر الآية، وهذه قاعدة في القرآن والسنة: إننا نحمل الشيء على ظاهره، ولا نؤول، اللهم إلا لضرورة، فإذا كان هناك ضرورة، فلابد أن نتمشى على ما تقتضيه الضرورة، أما بغير ضرورة فيجب أن نحمل القرآن والسنة على ظاهرهما ﴿فبأي ءالاء ربكما تكذبان ﴾ لأن ما في هذه البحار وما يحصل من المنافع العظيمة، نِعم كثيرة لا يمكن للإنسان أن ينكرها أبداً.
{وله الجوار المنشئات في البحر