أم نحن الزارعون؟ الجواب: بل أنت يا ربنا، أنت الذي تزرعه، أي تنبته حتى يكون زرعاً، كما قال - جل وعلا -: ﴿إن الله فالق الحب والنوى﴾ فلا أحد يستطيع أن يفلق هذه الحبة حتى تكون زرعاً، ولا هذه النواة حتى تكون نخلاً، إلا الله - عز وجل - ﴿لو نشاء لجعلناه حطاماً﴾ ولم يقل - عز وجل - لو نشاء لم نخرجه بل قال: ﴿لجعلناه حطاماً﴾ أي: بعد أن يخرج ويكون زرعاً وتتعلق به النفوس يجعله الله تعالى حطاماً، وهذا أشد ما يكون سبباً للحزن والأسى؛ لأن الشيء قبل أن يخرج لا تتعلق به النفوس، فإذا خرج وصار زرعاً ثم سلط الله عليهم آفة، فكان حطاماً، أي: محطوماً لا فائدة منه، فهو أشد حسرة ﴿فظلتم تفكهون ﴾ أي: تتفكهون بالكلام تريدون أن تذهبوا الحزن عنكم، فتقولون ﴿إنا لمغرمون ﴾ أي لحقنا الغرم بهذا الزرع الذي صار حطاماً، ثم تستأنفون فتقولون: ﴿بل نحن محرومون﴾ أي: حرمنا هذا الزرع، وصار حطاماً ففقدناه، ثم انتقل الله - عز وجل - إلى مادة أخرى، وهي مادة الحياة، وهي الماء فقال: ﴿أفرءيتم الماء الذي تشربون ﴾ أي: أخبرونا عنه من الذي خلقه؟ من الذي أوجده ﴿أءنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ﴾؟ والجواب: بل أنت يا ربنا، والمعنى: هل أنتم أنزلتم الماء الذي تشربونه من المزن أي من السحاب أم نحن المنزلون؟ الجواب: هو الله - عز وجل -، لأنه يرسل إلينا السحاب فينزل المطر فمنه ما يبقى على الأرض، وما شربته الأرض يسلكه الله تعالى ينابيع في الأرض، ويستخرج من الآبار، ويجري من العيون، فأصل الماء الذي نشرب من المزن، من السحاب، ولذلك إذا قلَّ المطر في بعض الجهات قل الماء وغار، واحتاج الناس إلى الماء ﴿لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون ﴾ أي: جعلناه مالحاً، كريه الطعم لا يمكن أن يشرب، وهنا يقول: ﴿لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون ﴾ ولم يقل: لو نشاء لغورناه، أو منعنا إنزاله؛ لأن كونهم ينظرون إلى الماء رأي العين ولكن لا يمكنهم شربه، أشد حسرة


الصفحة التالية
Icon