﴿إن للمتقين مفازاً﴾ المتقون هم الذين اتقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، وأحياناً يأمر الله بتقواه، وأحياناً يأمر بتقوى يوم الحساب، وأحياناً يأمر بتقوى النار، قال الله تعالى: ﴿واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار﴾ [آل عمران: ١٣٠]. فجمع بين الأمر بتقواه والأمر بتقوى النار، وقال تعالى: ﴿واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله﴾ [البقرة: ٢٨١]. فأمر بتقوى يوم الحساب، وكل هذا يدور على معنى واحد وهو: أن يتقي الإنسان محارم ربه فيقوم بطاعته وينتهي عن معصيته، فالمتقون هم الذين قاموا بأوامر الله واجتنبوا نواهي الله، هؤلاء لهم ﴿مفازاً﴾، والمفاز هو مكان الفوز وزمان الفوز أيضاً، فهم فائزون في أمكنتهم، وفائزون في أيامهم. ﴿حدائق وأعنابا﴾ هذا نوع المفاز، ﴿حدائق﴾ أي بساتين أشجارها عظيمة وكثيرة ومنوعة الأشجار. ﴿وأعناباً﴾ الأعناب جمع عنب وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر. ﴿وكواعب أترابا﴾ الكواعب جمع كاعب وهي التي تبين ثديها ولم يتدل، بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر. ﴿وأتراباً﴾ أي على سن واحدة لا تختلف إحداهن عن الأخرى كبراً كما في نساء الدنيا، لأنها لو اختلفت إحداهن عن الأخرى كبراً فربما تختل الموازنة بينهما، وربما تكون إحداهما محزونة إذا لم تساوي الأخرى، لكنهن أتراب. ﴿وكأساً دهاقاً﴾ أي كأساً ممتلئة، والمراد بالكأس هنا كأس الخمر. وربما يكون للخمر وغيره، لأن الجنة فيها ﴿أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى﴾ [محمد: ١٥]. ﴿لا يسمعون فيها لغواً﴾ لا يسمعون في الجنة لغواً أي كلاماً باطلاً لا خير فيه. ﴿ولا كذاباً﴾ أي ولا كذباً فلا يكذبون، ولا يكذب بعضهم بعضاً، لأنهم على سرر متقابلين قد نزع الله ما في صدورهم من غل وجعلهم أخواناً. ﴿جزاء من ربك عطاء﴾ أي أنهم يجزون بهذا جزاء من الله سبحانه وتعالى على أعمالهم


الصفحة التالية
Icon