الخيار فيما نذهب إليه لا أحد يكرهنا على شيء؛ لكن مع ذلك خيارنا وإرادتنا ومشيئتنا راجعة إلى الله ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾ وإنما بين الله ذلك في كتابه من أجل أن لا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى مشيئته بل يعلم أنها مرتبطة بمشيئة الله، حتى يلجأ إلى الله في سؤال الهداية لما يحب ويرضى. لا يقول الإنسان أنا حر أريد ما شئت وأتصرف كما شئت، نقول الأمر كذلك لكنك مربوط بإرادة الله عز وجل. ﴿إنا أنذرناكم عذاباً قريباً﴾ أي خوفناكم من عذاب قريب وهو يوم القيامة. ويوم القيامة قريب، ولو بقيت الدنيا ملايين السنين فإنه قريب ﴿كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها﴾ [النازعات: ٤٦]. فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب، ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان. ﴿يوم ينظر المرء ما قدمت يداه﴾ المرء: أي كل امرىء ينظر ما قدمت يداه ويكون بين يديه ويعطى كتابه، ويقال: ﴿اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً﴾ [الإسراء: ١٤]. ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول وما يشاهده من العذاب: ﴿يا ليتني كنت تراباً﴾ أي ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها ثم يقول كوني تراباً فتكون تراباً يتمنى أن يكون مثل البهائم فقوله: ﴿كنت تراباً﴾ تحتمل ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: يا ليتني كنت تراباً فلم أُخلق، لأن الإنسان خُلق من تراب.
المعنى الثاني: ياليتني كنت ترابًا فلم أُبعث، يعني كنت ترابًا في أجواف القبور.


الصفحة التالية
Icon