يقول: إن أنين المريض يكتب، فتوقف رحمه الله عن الأنين خوفاً من أن يكتب عليه أنين مرضه. فكيف بأقوال لا حدّ لها ولا ممسك لها، ألفاظ تترى طوال الليل والنهار ولا يحسب لها الحساب، فكل شيء يكتب حتى الهم يكتب إما لك وإما عليك، من همّ بالسيئة فلم يعملها عاجزاً عنها فإنها تكتب عليه، وإن هم بها وتركها لله فإنها تكتب له، فلا يضيع شيء كل شيء أحصيناه كتاباً. ﴿فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً﴾ هذا الأمر للإهانة والتوبيخ، يعني يقال لأهل النار: ذوقوا العذاب إهانة وتوبيخاً فلن نزيدكم إلا عذاباً ولن نخفف عنكم بل ولا نبقيكم على ما أنتم عليه لا نزيدكم إلا عذاباً في قوته ومدته ونوعه، وفي آية أخرى أنهم يقولون لخزنة جهنم: ﴿ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب﴾ [غافر: ٤٩]. تأمل هذه الكلمة من عدة أوجه:
أولاً: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم. لأن الله قال لهم: ﴿اخسئوا فيها ولا تكلمون﴾. [المؤمنون: ١٠٨]. فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلاً لأن يسألوا الله ويدعوه إلا بواسطة.
ثانياً: أنهم قالوا: ﴿ادعوا ربكم﴾ ولم يقولوا: ادعوا ربنا، لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتحدث أو أن تتكلم بإضافة ربوبية الله لهم أي بأن يقولوا ربنا، عندهم من العار والخزي ما يرون أنهم ليسوا أهلاً لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا ﴿ربكم﴾.
ثالثاً: لم يقولوا يرفع عنا العذاب بل قالوا: ﴿يخفف﴾ لأنهم آيسون نعوذ بالله، آيسون من أن يرفع عنهم.
رابعاً: أنهم لم يقولوا يخفف عنا العذاب دائماً، بل قالوا ﴿يوماً من العذاب﴾ يوماً واحداً، بهذا يتبين ما هم عليه من العذاب والهوان والذل ﴿وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي﴾ [الشورى: ٤٥]. أعاذنا الله منها.


الصفحة التالية
Icon