بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} [الإسراء: ٨٨]. يعني لو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله. حينئذ نقول إن موسى عليه الصلاة والسلام أرى فرعون الاية الكبرى ولكن لم ينتفع بالايات ﴿وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون﴾ [يونس: ١٠١]. ﴿إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب﴾ فالذين ليس في قلوبهم استعداد للهداية لا يهتدون ولو جاءتهم كل آية ـ والعياذ بالله ـ ولهذا قال: ﴿فكذب وعصى﴾ كذب الخبر، وعصى الأمر، يعني قال لموسى إنك لست رسولاً بل قال ﴿إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون﴾ [الشعراء: ٢٧]. وعصى الأمر فلم يمتثل أمر موسى ولم ينقد لشرعه. ﴿ثم أدبر يسعى﴾ أي تولى مدبراً يسعى حثيثاً. ﴿فحشر فنادى﴾ حشر الناس أي جمعهم ونادى فيهم بصوت مرتفع ليكون ذلك أبلغ في نهيهم عما يريد منهم موسى عليه الصلاة والسلام. ﴿فقال أنا ربكم الأعلى﴾ يعني لا أحد فوقي لأن ﴿الأعلى﴾ اسم تفضيل من العلو، فانظر كيف استكبر هذا الرجل وادعى لنفسه ما ليس له في قوله: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾ وكان يفتخر بالأنهار والُملك الواسع يقول لقومه في ما قال لهم ﴿يا قومِ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين﴾ [الزخرف:: ٥١، ٥٢]. فما الذي حصل؟ أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به، وأورث الله ملك مصر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم. ﴿فأخذه الله نكال الاخرة والأولى﴾ أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، ﴿نكال الاخرة والأولى﴾ يعني أنه نكّل به في الاخرة وفي الأولى، فكان عبرة في زمنه، وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة، كل من قرأ كتاب الله وما صنع الله بفرعون فإنه يتخذ ذلك عبرة يعتبر به، وكيف أهلكه الله مع هذا الملك العظيم وهذا الجبروت وهذا الطغيان فصار أهون على الله تعالى من كل هين. ﴿إن في ذلك لعبرة لمن يخشى﴾ ﴿إن في ذلك﴾ أي فيما جرى من إرسال موسى إلى


الصفحة التالية
Icon