﴿وما صاحبكم بمجنون﴾ أي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتأمل أنه قال: ﴿وما صاحبكم﴾ كأنه قال: ما صاحبكم الذي تعرفونه وأنتم وإياه دائماً، بقي فيهم أربعين سنة في مكة قبل النبوة يعرفونه، ويعرفون صدقه وأمانته، حتى كانوا يطلقون عليه اسم الأمين ﴿وما صاحبكم بمجنون﴾ يعني ليس مجنوناً، بل هو أعقل العقلاء عليه الصلاة والسلام، أكمل الناس عقلاً بلا شك وأسدّهم رأياً. ﴿ولقد رآه﴾ أي رأى جبريل ﴿بالأفق المبين﴾ أي البين الظاهر العالي، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى جبريل على صورته التي خُلق عليها مرتين: مرة في غار حراء، ومرة في السماء السابعة لما عُرج به عليه الصلاة والسلام، وهذه الرؤية هي التي في غار حراء، لأنه يقول ﴿رآه بالأفق﴾ إذن محمد في الأرض ﴿وما هو﴾ يعني ما محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿على الغيب﴾ يعني على الوحي الذي جاءه من عند الله ﴿بضنين﴾ بالضاد أي ببخيل، فهو عليه الصلاة والسلام ليس بمتهم في الوحي ولا باخل به، بل هو أشد الناس بذلاً لما أوحي إليه، يعلم الناس في كل مناسبة، وهو أبعد الناس عن التهمة لكمال صدقه عليه الصلاة والسلام، وفي قراءة ﴿بظنين﴾ بالظاء المشالة، أي: بمتهم، من الظن وهو التهمة. ﴿وما هو بقول شيطان رجيم﴾ أي ليس بقول أحد من الشياطين، وهم الكهنة الذين توحي إليهم الشياطين الوحي ويكذبون معه ويخبرون الناس فيظنونهم صادقين. ﴿فأين تذهبون. إن هو إلا ذكر للعالمين﴾ ﴿إن﴾ هنا بمعنى (ما) وهذه قاعدة: «أنه إذا جاءت (إلا) بعد (إن) فهي بمعنى (ما)» أي أنها تكون نافية لأن «إن» تأتي نافية، وتأتي شرطية، وتأتي مخففة من الثقيلة، والذي يبين هذه المعاني هو السياق فإذا جاءت (إن وبعدها إلا) فهي نافية، أي ما هو أي القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلّم ونزل به جبريل على قلبه ﴿إلا ذكر للعالمين﴾، ذكر يشمل التذكير والتذكّر، فهو تذكير للعالمين، وتذكر لهم، أي أنهم يتذكرون به ويتعظون به (والمراد


الصفحة التالية
Icon