نفسه مصروفاً عنه؛ لأن الله لم يشأه، كثيراً ما نريد أن نذهب مثلاً إلى المسجد لنستمع إلى محاضرة، وإذا بنا ننصرف بسبب أو بغير سبب، أحياناً بسبب بحيث نتذكر أن لنا شغلاً فنرجع، وأحياناً نرجع بدون سبب لا ندري إلا وقد صرف الله تعالى همتنا عن ذلك فرجعنا. ولهذا قيل لأعرابي بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الهمم. (بنقض العزائم) يعني الإنسان يعزم على الشيء عزماً مؤكداً وإذا به ينتقض!! من نقض عزيمته، لا يشعر، ما يشعر أن هناك مرجحاً أوجب أن يعدل عن العزيمة الأولى بل بمحض إرادة الله (صرف الهمم) يهم الإنسان بالشيء ويتجه إليه تماماً وإذا به يجد نفسه منصرفاً عنه سواء كان الصارف مانعاً حسيًّا أو كان الصارف مجرد اختيار.. اختار الإنسان أن ينصرف، كل هذا من الله عز وجل. فالحاصل أن الله يقول: ﴿لمن شاء منكم أن يستقيم﴾ والاستقامة هي الاعتدال، ولا عدل أقوم من عدل الله عز وجل في شريعته، في الشرائع السابقة كانت الشرائع تناسب حال الأمم زماناً ومكاناً وحالاً، وبعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، كانت شريعته تناسب الأمة التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلّم إليها من أول بعثته إلى نهاية الدنيا. ولهذا كان من العبارات المعروفة «أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان وحال». لو تمسك الناس به لأصلح الله الخلق. انظر مثلاً الإنسان يصلي أولاً قائماً، فإن عجز فقاعداً، فإن عجز فعلى جنب، إذن الشريعة تتطور بحسب حال الشخص؛ لأن الدين صالح لكل زمان ومكان. يجب على المحدث أن يتطهر بالماء، فإن تعذر استعمال الماء لعجز أو عدم. عدل إلى التيمم، فإن لم يوجد ولا تراب، أو كان عاجزاً عن استعمال التراب فإنه يصلي بلا شيء، لا بطهارة ماء ولا بطهارة تيمم، كل هذا لأن شريعة الله عز وجل كلها مبنية على العدل، ليس فيها جور، ليس فيها ظلم، ليس فيها حرج، ليس فيها مشقة، ولهذا قال: ﴿أن يستقيم﴾ وضد الاستقامة انحرافان: انحراف إلى جانب الإفراط


الصفحة التالية
Icon