المخالفة ﴿الذي خلقك﴾ خلقك من العدم، وأوجدك من العدم، ﴿فسواك﴾ أي جعلك مستوي الخلقة ليست يد أطول من يد، ولا رجل أطول من رجل، ولا أصبع أطول من أصبع، بحسب اليدين والرجلين، فتجد الطويل في يد هو الطويل في اليد الأخرى، والقصير هو القصير، وهلم جرى، سوّى الله عز وجل الإنسان من كل ناحية من ناحية الخلقة ﴿فعدَلك﴾ وفي قراءة سبعية ﴿فعدَّلك﴾ أي جعلك معتدل القامة، مستوي الخلقة لست كالبهائم التي لم تكن معدّلة بل تسير على يديها ورجليها، أما الإنسان فإنه خصّه الله بهذه الخصيصة ﴿في أي صورة ما شاء ركبك﴾ يعني الله ركبك في أي صورة شاء، من الناس من هو جميل، ومنهم من هو قبيح، ومنهم المتوسط، ومنهم الأبيض، ومنهم الأحمر، ومنهم الأسود، ومنهم ما بين ذلك، أي صورة يركبك الله عز وجل على حسب مشيئته، ولكنه عز وجل شاء للإنسان أن تكون صورته أحسن الصور ثم قال: ﴿كلا بل تكذبون بالدين﴾ ﴿كلا﴾ للاضراب يعني مع هذا الخلق والإمداد والإعداد تكذبون بالدين أي بالجزاء، وتقولون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين، فتكذبون بالدين أي بالجزاء، وربما نقول: وتكذبون أيضاً بالدين نفسه، فلا تقرّون بالدين الذي جاءت به الرسل والاية شاملة لهذا وهذا؛ لأن القاعدة في علم التفسير وعلم شرح الحديث: «أنه إذا كان النص يحتمل معنيين لا ينافي أحدهما الاخر فإنه يُحمل عليهما». ﴿وإن عليكم لحافظين. كراماً كاتبين. يعلمون ما تفعلون﴾ تأكيد بمؤكدين «إن» و«اللام» ﴿وإن عليكم لحافظين﴾ الإنسان عليه حافظ يحفظه ويكتب كل ما عمل، قال الله تعالى: ﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾ [ق: ١٨]. فعلى كل إنسان حفظة يكتبون كل ما قال وكل ما فعل، وهؤلاء الحفظة كرام ليسوا لئاماً، بل عندهم من الكرم ما ينافي أن يظلموا أحداً، فيكتبوا عليه ما لم يعمل، أو يهدروا ما عمل؛ لأنهم موصوفون بالكرم ﴿يعلمون ما تفعلون﴾ إما بالمشاهدة إن كان فعلاً، وإما بالسماع إن كان


الصفحة التالية
Icon