﴿كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين﴾ هذه الاية يذكر الله عز وجل خبراً مؤكدا «بإن» لأن ﴿إن﴾ في اللغة العربية من أدوات التوكيد. فإنك إذا قلت: الرجل قائم، هذا خبر غير مؤكد، فإذا قلت: إن الرجل قائم. صار خبراً مؤكداً فيقول الله عز وجل: ﴿إن كتاب الأبرار لفي عليين﴾ وهذا مقابل ﴿إن كتاب الفجار لفي سجين﴾ فكتاب الفجار في سجين في أسفل الأرض، وكتاب الأبرار في عليين في أعلى الجنة، أي أنهم في هذا المكان العالي قد كُتب ذلك عند الله عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ﴿وما أدراك ما عليون﴾ أي ما الذي أعلمك ما عليون؟ وهذا الاستفهام يراد به التفخيم والتعظيم. يعني أي شيء أدراك به فإنه عظيم قال الله تعالى: ﴿كتاب مرقوم﴾ هذا بيان لقوله: ﴿إن كتاب الأبرار﴾ أي أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم مكتوب لا يتغير ولا يتبدل ﴿يشهده المقربون﴾ يشهده أي يحضره، أو يشهد به المقربون، و﴿المقربون﴾ عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بطاعته. وكلما كان الإنسان أكثر طاعة لله كان أقرب إلى الله. وكلما كان الإنسان أشد تواضعاً لله كان أعز عند الله، وكان أرفع عند الله، قال الله تعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ [المجادلة: ١١]. فالمقربون هم الذين تقربوا إلى الله تعالى بصالح الأعمال، فقربهم الله من عنده ﴿إن الأبرار﴾ الأبرار: جمع بر، والبر كثير الخير، كثير الطاعة، كثير الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، فهؤلاء الأبرار الذين منّ الله عليهم بفعل الخيرات، وترك المنكرات ﴿لفي نعيم﴾ والنعيم هنا يشمل نعيم البدن ونعيم القلب، أما نعيم البدن فلا تسأل عنه فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة: ﴿وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون﴾ [الزخرف: ٧١]. وقال تعالى: ﴿فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون﴾ [السجدة: ١٧]. وأما نعيم القلب فلا تسأل


الصفحة التالية
Icon