حقيقة وليس فيها أي جد. قال الله عز وجل ﴿كلا بل﴾ أي ليست أساطير الأولين ولكن هؤلاء ﴿ران على قلوبهم﴾ أي اجتمع عليها وحجبها عن الحق ﴿ما كانوا يكسبون﴾ أي من الأعمال السيئات؛ لأن الأعمال السيئات تحول بين المرء وبين الهدى كما قال الله تعالى: ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم﴾ [محمد: ١٧]. فمن اهتدى بهدي الله واتبع ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، وصدق بما أخبر الله به، وفعل مثل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أن قلبه يستنير وأنه يرى الحق حقًّا، ويرى الباطل باطلاً، ويعظم آيات الله عز وجل، ويرى أنها فوق كل كلام، وأن هدي محمد صلى الله عليه وسلّم فوق كل هدي، هذا من أنار الله قلبه بالإيمان، أما من تلطخ قلبه بأرجاس المعاصي وأنجاسها فإنه لا يرى هذه الايات حقًّا بل لا يراها إلا أساطير الأولين كما في هذه الاية. ﴿كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾ وفي ﴿بل﴾ سكتة لطيفة عند بعض القراء وعند آخرين لا سكتة فيجوز على هذا أن تقول ﴿كلا بل. ران﴾ ويجوز أن تقول: ﴿كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾ وهذه لا تغير المعنى سواء سكتّ أم لم تسكت فالمعنى لا يتغير. ﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون﴾ أي حقًّا إنهم عن ربهم لمحجوبون، وذلك في يوم القيامة فإنهم يحجبون عن رؤية الله عز وجل كما حُجبوا عن رؤية شريعته وآياته فرأوا أنها أساطير الأولين. وبهذه الاية استدل أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله عز وجل، ووجه الدلالة ظاهر فإنه ما حجب هؤلاء في حال السخط إلا وقد مكن للأبرار من رؤيته تعالى في حال الرضا، فإذا كان هؤلاء محجوبون فإن الأبرار غير محجوبين، ولو كان الحجب لكل منهم لم يكن لتخصيصه بالفجار فائدة إطلاقاً. ورؤية الله عز وجل ثابتة بالكتاب، ومتواتر السنة، وإجماع الصحابة والأئمة، لا إشكال في هذا أنه تعالى يُرى حقًّا بالعين كما قال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها


الصفحة التالية
Icon