وقوله: ﴿بالشفق﴾ الشفق هو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس. وإذا غابت هذه الحمرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، هذا قول أكثر العلماء وبعضهم قال إذا غاب البياض وهو يغيب بعد الحمرة بنحو نصف ساعة، لكن الذي عليه الجمهور، ويقال: إن أبا حنيفة رحمه الله رجع إليه: هو أن الشفق هو الحمرة وإذا غاب هذا الشفق فإنه يدخل وقت العشاء ويخرج وقت المغرب ﴿والليل وما وسق﴾ هذا أيضاً مقسم به معطوف على الشفق، يعني وأقسم بالليل وما وسق وهذان قسمان ﴿والليل وما وسق﴾ الليل معروف ﴿وما وسق﴾ أي ما جمع، لأن الليل يجمع الوحوش والهوام وما أشبه ذلك، تجتمع وتخرج وتبرز من جحورها وبيوتها، وكذلك ربما يشير إلى اجتماع الناس بعضهم إلى بعض. ﴿والقمر إذا اتسق﴾ القمر معروف. ومعنى ﴿إذا اتسق﴾ يعني إذا جتمع نوره وتم وكمل، وذلك في ليالي الإبدار. فأقسم الله عز وجل ﴿بالليل وما وسق﴾ أي ما جمع. وبالقمر لأنه آية الليل، ثم قال بعد ذلك: ﴿لتركبن طبقاً عن طبق﴾ والخطاب هنا لجميع الناس، أي لتركبن حالاً عن حال، وهو يعني أن الأحوال تتغير فيشمل أحوال الزمان، وأحوال المكان، وأحوال الأبدان، وأحوال القلوب:
الأول: أحوال الزمان تتنقل ﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾ [آل عمران: ١٤٠]. فيوم يكون فيه السرور والانشراح وانبساط النفس، ويوم آخر يكون بالعكس، حتى إن الإنسان ليشعر بهذا من غير أن يكون هناك سبب معلوم، وفي هذا يقول الشاعر:
ويوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
وهذا شيء يعرفه كل واحد بنفسه تصبح اليوم فرحاً مسروراً وفي اليوم الثاني بالعكس بدون سبب لكن هكذا لابد أن الإنسان يركب طبقاً عن طبق.


الصفحة التالية
Icon