ذلك في رسالة لنا صغيرة، يغني عن إعادتها هنا. ﴿لهم جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ ﴿لهم﴾ يعني عند الله ﴿جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ وذلك بعد البعث فإنهم يدخلون هذه الجنات التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولهذا قال الله تعالى: ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون﴾ [السجدة: ١٧]. وقال الله في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». لأن فيها من النعيم ما لا يتصوره الإنسان والله تعالى يذكر في الجنات: نخل، ورمان، وفاكهة، ولحم طير، وعسل، ولبن، وماء، وخمر، لكن حقائق هذه الأشياء ليست كحقائق ما في الدنيا أبداً، لأنها لو كانت حقائقها كحقائق ما في الدنيا لكنا نعلم ما أخفي لنا من هذا، ولكنها أعظم وأعظم بكثير مما تتصوره، فالرمان وإن كنا نعرف معنى الرمان، ونعرف أنه على شكل معين، وطعم معين، وذو حبات معينة، لكن ليس الرمان الذي في الاخرة كهذه فهو أعظم بكثير، لا من جهة الحجم، ولا من جهة اللون، ولا من جهة المذاق، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء فقط)، أما الحقائق فهي غير معلومة. وقوله: ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ قال العلماء: ﴿من تحتها﴾ أي من تحت أشجارها وقصورها وإلا فهي على السطح فوق، ثم هذه الأنهار جاء في الأحاديث أنها لا تحتاج إلى حفر ولا تحتاج إلى بناء أخدود، وفي هذا يقول ابن القيم في النونية:
أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان