ويجوز أن يكون معنى قوله: ﴿الحميد﴾ أنه هو الحامد، فإنه سبحانه وتعالى يحمد من يستحق الحمد، يثني على عباده من المرسلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامد، وهو كذلك محمود، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها، لأنه لولا أن الله يسر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلت عليها، قال الله تبارك وتعالى: ﴿أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون﴾ [الواقعة: ٦٤]. الله يسألنا، أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟ الجواب: بل أنت يا ربنا ﴿لو نشاء لجعلناه حطاماً﴾ بعد أن يخرج وتتعلق به النفوس يجعله الله حطاماً، ولم يأت التعبير «لو نشاء لم ننبته» لأن كونه ينبت وتتعلق به النفس ثم يكون حطاماً أشد وقعاً على النفس من كونه لا ينبت أصلاً ﴿لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون﴾ ثم ذكر الشرب فقال: ﴿أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون﴾ الجواب: بل أنت يا ربنا ﴿لو نشاء لجعلناه أجاجاً﴾ أي مالحاً غير عذب لا يستطيع الإنسان أن يشربه ﴿فلولا تشكرون﴾ يعني فهلا تشكرون الله على ذلك، وهنا لم يأت التعبير «لو نشاء لم ننزله من المزن»، لأن كونه ينزل ولكن لا يشرب لا يطاق أشد من كونه لم ينزل أصلاً فتأملوا القرآن الكريم تجدون فيه من الأسرار والحكم الشيء الكثير.


الصفحة التالية
Icon