وكلنا يعلم أن الغار المفتوح إذا كان فيه أحد فسوف يُرى، ولكنهم لم يروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا أبا بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا. فقال: «لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك باثنين الله ثالثهما». فاطمأن أبو بكر. هؤلاء القوم الذين وقفوا على الغار ليس عندهم قصور في السمع، ولا قصور في البصر، ولا قصور في الذكاء، ولكن أعمى الله أبصارهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه، فلا تعجبوا أن خرج من بين هؤلاء الشبان العشرة كما قال أهل التاريخ، وجعل يذر التراب على رؤوسهم ويقول: ﴿وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون﴾. وقال الله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك﴾ يعني يحبسوك ﴿أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ [الأنفال: ٣٠]. ﴿إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً﴾ ثم قال عز وجل: ﴿فمهل الكافرين أمهلهم رويداً﴾ مهل وأمهل معناهما واحد يعني انتظر بمهلة ولا تنتظر بمهلة طويلة، ﴿رويداً﴾ أي قليلاً، ورويداً تصغير رود أو إرواد، والمراد به الشيء القليل. وفي هذه الاية تهديد لقريش، وتسلية للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ووعد له بالنصر. وحصل الأمر كما أخبر الله عز وجل، خرج النبي عليه الصلاة والسلام مهاجراً منهم، وحصل بينه وبينهم حروب، وفي السنة الثانية من الهجرة قُتل من صناديد قريش وكبرائهم وزعمائهم نحو أربعة وعشرين رجلاً، منهم قائدهم أبو جهل، وبعد ثماني سنوات بل أقل من ثماني سنوات دخل النبي صلى الله عليه وسلّم مكة فاتحاً منصوراً ظافراً، حتى إنه قال كما جاء في التاريخ وهو ممسك بعضادتي باب الكعبة وقريش تحته قال لهم: «ما ترون أني فاعل بكم»؟ لأن أمرهم أصبح بيده عليه الصلاة والسلام، «ما ترون أني فاعل بكم»؟ قالوا: أخٌ كريم، وابن أخ كريم. فقال: «إني أقول لكم كما قال يوسف لأخوته: {لا