القسم الأول: من يخشى الله عز وجل، أي يخافه خوفاً عن علم بعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذكر بآيات ربه تذكر كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًّا وعمياناً﴾ [الفرقان: ٧٣]. فمن يخشى الله ويخاف الله إذا ذكر ووعظ بآيات الله اتعظ وانتفع.
أما القسم الثاني: فقال: ﴿ويتجنبها الأشقى﴾ أي يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها الأشقى و﴿الأشقى﴾ هنا اسم تفضيل من الشقاء وهو ضد السعادة كما في سورة هود: ﴿فأما الذين شقوا ففي النار﴾ [هود: ١٠٦]. ﴿وأما الذين سعدوا ففي الجنة﴾ [هود: ١٠٨]. فالأشقى المتصف بالشقاوة يتجنب الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتها وهذا هو الكافر، فإن الكافر يذكر ولا ينتفع بالذكرى، ولهذا قال: ﴿الذي يصلى النار الكبرى. ثم لا يموت فيها ولا يحيى﴾ الذي يصلى النار الموصوفة بأنها ﴿الكبرى﴾ وهي نار جهنم؛ لأن نار الدنيا صغرى بالنسبة لها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءاً من نار الاخرة»، أي أن نار الاخرة فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، والمراد بنار الدنيا كلها أشد ما يكون من نار الدنيا فإن نار الاخرة فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً ولهذا وصفها بقوله: ﴿النار الكبرى﴾ ثم إذا صلاها ﴿لا يموت فيها ولا يحيى﴾ المعنى لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة سعيدة، وإلا فهم أحياء في الواقع لكن أحياء يعذبون ﴿كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها﴾ [النساء: ٥٦]. كما قال الله عز وجل ﴿ونادوا يا مالك﴾ وهو خازن النار ﴿ليقض علينا ربك﴾ يعني ليهلكنا ويريحنا من هذا العذاب ﴿قال إنكم ماكثون﴾ ولا راحة ويقال لهم: ﴿لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون﴾ [الزخرف: ٧٨]. هذا معنى قوله: ﴿لا يموت فيها ولا يحيى﴾ لأنه قد يشكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حي ولا ميت؟ والإنسان إما حي وإما ميت؟


الصفحة التالية
Icon