يشق عليهم ولا يتأثرون به، فهم دائماً في ذكر الله عز وجل، وتسبيح وأنس وسرور، يأتي بعضهم إلى بعض يزور بعضهم بعضاً في حبور لا نظير له. ﴿فيها عين جارية﴾ وهذه العين بين الله عز وجل أنها أنهار ﴿فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى﴾ [محمد: ١٥]. ﴿جارية﴾ أي تجري حيث أراد أهلها لا تحتاج إلى حفر ساقية، ولا إقامة أخدود كما قال ابن القيم رحمه الله:
أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
﴿فيها سرر مرفوعة. وأكواب موضوعة. ونمارق مصفوفة. وزرابي مبثوثة﴾ انظر للتقابل ﴿فيها سرر مرفوعة﴾ عالية يجلسون عليها يتفكهون ﴿هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون﴾ [يس: ٥٦]. ﴿وأكواب موضوعة﴾ الأكواب جمع كوب وهو الكأس ونحوه ﴿موضوعة﴾ يعني ليست مرفوعة عنهم، بل هي موضوعة لهم متى شاءوا شربوا فيها من هذه الأنهار الأربعة التي سبق ذكرها. ﴿ونمارق مصفوفة﴾ النمارق جمع نمرقة وهي الوسادة أو ما يتكىء عليه. ﴿مصفوفة﴾ على أحسن وجه تلتذ العين بها قبل أن يلتذ البدن بالاتكاء إليها. ﴿وزرابي مبثوثة﴾ الزرابي أعلى أنواع الفرش ﴿مبثوثة﴾ منشورة في كل مكان، ولا تظن أن هذه النمارق، وهذه الأكواب، وهذه السرر، وهذه الزرابي لا تظن أنها تشبه ما في الدنيا؛ لأنها لو كانت تشبه ما في الدنيا لكنا نعلم نعيم الاخرة، ونعلم حقيقته لكنها لا تشبهه لقول الله تعالى: ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون﴾ [السجدة: ١٧]. إنما الأسماء واحدة والحقائق مختلفة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس في الاخرة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط)، فنحن لا نعلم حقيقة هذه النعم المذكورة في الجنة وإن كنا نشاهد ما يوافقها في الاسم في الدنيا لكنه فرق بين هذا وهذا.


الصفحة التالية
Icon