يجحدون} [فصلت: ١٥]. فهم افتخروا في قوتهم ولكن الله بين أنهم ضعفاء أمام قوة الله ولهذا قال: ﴿أولم يروا أن الله الذي خلقهم﴾ وعبّر ـ والله أعلم ـ بقوله ﴿الذي خلقهم﴾ ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم، لأن الخالق أقوى من المخلوق ﴿أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الاخرة أخزى وهم لا ينصرون﴾. [فصلت: ١٥، ١٦]. والذي فعل الله بعاد أنه أرسل عليهم الريح العقيم سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، فترى القوى فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار يعني اعتبر أيها المكذب للرسول محمد صلى الله عليه وسلّم بهؤلاء كيف أُذيقوا هذا العذاب، وقد قال الله تعالى: ﴿وما هي من الظالمين ببعيد﴾ [هود: ٨٣]. وقوله: ﴿إرم﴾ هذه اسم للقبيلة، وقيل اسم للقرية، وقيل غير ذلك، فسواء كانت اسم للقبيلة أو اسم للقرية فإن الله تعالى نكل بهم نكالاً عظيماً مع أنهم أقوياء. وقوله: ﴿ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد﴾ يعني أصحاب ﴿العماد﴾ الأبنية القوية ﴿التي لم يخلق مثلها في البلاد﴾ أي لم يصنع مثلها في البلاد؛ لأنها قوية ومحكمة، وهذا هو الذي غرهم وقالوا: مَن أشد منا قوة؟ وفي قوله: ﴿التي لم يخلق مثلها في البلاد﴾ مع أن الذي صنعها الادمي دليل على أن الادمي قد يوصف بالخلق فيقال خلق كذا، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين «يقال لهم أحيوا ما خلقتم»، لكن الخلق الذي ينسب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الله. الخلق المنسوب إلى الله إيجاد بعد عدم وتحويل وتغيير، أما الخلق المنسوب لغير الله فهو مجرد تحويل وتغيير، وأضرب لكم مثلاً: هذا الباب من خشب، الذي خلق الخشب الله، ولا يمكن للبشر أن يخلقوه، لكن البشر يستطيع أن