ومن العلماء من قال: إنه فعل ذلك من أجل أن يضعف بني إسرائيل؛ لأن الأمة إذا قُتلت رجالها واستبقيت نسائها ذلت بلا شك، فالأول تعليل أهل الأثر، والثاني تعليل أهل النظر ـ أهل العقل ـ ولا يبعد أن يكون الأمران جميعاً قد صارا علة لهذا الفعل، ولكن بقدرة الله عز وجل أن هذا الرجل الذي كان هلاك فرعون على يده تربى في نفس بيت فرعون، فإن امرأة فرعون التقطته وربته في بيت فرعون، وفرعون استكبر في الأرض وعلا في الأرض وقال لقومه: (أنا ربكم الأعلى) وقال لهم: (ما علمت لكم من إله غيري) وقال لهم: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) يعني موسى (ولا يكاد يبين) قال الله تعالى: ﴿فاستخف قومه فأطاعوه﴾ [الزخرف: ٥٤]. وقال لقومه مقرراً لهم: ﴿أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون﴾ [الزخرف: ٥١]. افتخر بالأنهار وهي المياه فأغرق بالماء. ﴿ذي الأوتاد﴾ أي ذي القوة، لأن جنوده كانوا له بمنزلة الوتد، والوتد تربط به حبال الخيمة فتستقر وتثبت، فله جنود أمم عظيمة ما بين ساحر وكاهن وغير ذلك لكن الله سبحانه فوق كل شيء. ﴿الذين طغوا في البلاد﴾ الطغيان مجاوزة الحد ومنه قوله تعالى: ﴿إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية﴾ [الحاقة: ١١]. أي لما زاد الماء حملناكم في الجارية يعني بذلك السفينة التي صنعها نوح عليه الصلاة والسلام، فمعنى ﴿طغوا في البلاد﴾ أي: زادوا عن حدهم واعتدوا على عباد الله. ﴿فأكثروا فيها الفساد﴾ أي: الفساد المعنوي، والفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾ [الأعراف: ٩٦]. ولهذا قال بعض العلماء في قوله تعالى: ﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾ [الأعراف: ٥٦]. قالوا: لا تفسدوها بالمعاصي، وعلى هذا فيكون قوله ﴿فأكثروا فيها الفساد﴾ أي: الفساد المعنوي، لكن الفساد المعنوي يتبعه