فإن قال قائل: أليس هناك مرتبة بين الواجب، والمحرم؛ وبين المكروه، والمندوب. وهو المباح. ؟ قلنا: بلى، لا شك في هذا؛ لكن المباح نفسه لا بد أن يكون وسيلة إلى شيء؛ فإن لم يكن وسيلة إلى شيء صار من قسم الباطل كما جاء في الحديث: "كل لهو يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا لعبه في رمحه، ومع أهله، وفي فرسه"(٢) ؛ وهذه الأشياء الثلاثة إنما استثنيت؛ لأنها مصلحة. كلها تعود إلى مصلحة...
. ٣ ومن فوائد الآية: تحريم كتمان الحق؛ لقوله تعالى: ﴿ وتكتموا ﴾؛ ولكن هل يقال: إن الكتمان لا يكون إلا بعد طلب؟
الجواب: نعم، لكن الطلب نوعان: طلب بلسان المقال؛ وطلب بلسان الحال؛ فإذا جاءك شخص يقول: ما تقول في كذا، وكذا: فهذا طلب بلسان المقال؛ وإذا رأيت الناس قد انغمسوا في محرم: فبيانه مطلوب بلسان الحال؛ وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يبين المنكر، ولا ينتظر حتى يُسأل؛ وإذا سئل ولم يُجب لكونه لا يعلم فلا إثم عليه؛ بل هذا هو الواجب؛ لقوله تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾ [الإسراء: ٢٣]. هذه واحدة..
ثانياً: إذا رأى من المصلحة ألا يبين فلا بأس أن يكتم كما جاء في حديث علي بن أبي طالب: "حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!"(٣) ؛ وقال ابن مسعود: "إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"(٤) ؛ فإذا رأيت من المصلحة ألا تبين فلا تبين ولا لوم عليك..