وأما قوله تعالى: ﴿فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين﴾ [الأعراف: ١٥٥] فقد أيد بعضهم القول الأول بهذه الآية؛ ولكن الحقيقة ليس فيه تأييد لهم؛ لأنه تعالى قال: ﴿فلما أخذتهم الرجفة﴾ [الأعراف: ١٥٥]. رُجِفَ بهم؛ والأخرى: أخذتهم الصاعقة. صعقوا، وماتوا..
فالظاهر لي أن القول الأول لا يترجح بهذه الآية لاختلاف العقوبتين؛ هذه الآية كانت العقوبة بالصاعقة؛ وتلك كانت بالرجفة. والله أعلم..
قوله تعالى: ﴿ فأخذتكم الصاعقة ﴾ يعني الموت الذي صعقوا به؛ ﴿ وأنتم تنظرون ﴾ أي ينظر بعضكم إلى بعض حين تتساقطون؛ والجملة في قوله تعالى: ﴿ وأنتم تنظرون ﴾ حال من الكاف في قوله تعالى: ﴿ فأخذتكم الصاعقة ﴾ يعني: والحال أنكم تنظرون..
.﴿ ٥٦ ﴾ قوله تعالى: ﴿ ثم بعثناكم بعد موتكم ﴾: أصل "البعث" في اللغة الإخراج؛ ويطلق على الإحياء، كما هذه الآية؛ ويدل على أن المراد به الإحياء هنا قوله تعالى: ﴿ من بعد موتكم ﴾؛ وهو موت حقيقي، وليس نوماً، لأن النوم يسمى وفاة؛ ولا يسمى موتاً، كما في قوله تعالى: ﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار﴾ [الأنعام: ٦٠]، وقوله تعالى: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها﴾ [الزمر: ٤٢]
وقوله تعالى: ﴿ بعثناكم من بعد موتكم ﴾: هذه نعمة كبيرة عليهم أن الله تعالى أخذهم بهذه العقوبة، ثم بعثهم ليرتدعوا؛ ويكون كفارة لهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ لعلكم تشكرون ﴾ أي تشكرون الله سبحانه وتعالى؛ و "لعل" هنا للتعليل..