قوله: ﴿ فافعلوا ما تؤمرون ﴾؛ هذا الأمر من موسى؛ وليس من كلام الله عزّ وجلّ؛ فموسى يقول لبني إسرائيل: افعلوا ما تؤمرون به من ذبح بقرة لا فارض، ولا بكر، ولا تتعنتوا فيشدد عليكم مرة ثانية؛ ولو أنهم امتثلوا، وذبحوا بقرة عواناً بين ذلك لحصل المقصود؛ وكان عليهم أن يفعلوا. وإن لم يأمرهم نبيهم به؛ ولكنهم أهل عناد، وتعنت؛ ولهذا أمرهم أمراً ثانياً؛ ومع ذلك قالوا: ﴿ ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ﴾: كل هذا من باب التعنت، والتشدد؛ و﴿ ما لونها ﴾ يعني أيّ شيء لونها. بيضاء؛ سوداء؛ شهباء.. ؟
قوله تعالى: ﴿ قال ﴾ أي موسى ﴿ إنه يقول ﴾ أي الله سبحانه وتعالى ﴿ إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ﴾: شدد عليهم مرة أخرى في اللون: أولاً حيث قال تعالى: ﴿ إنها بقرة صفراء ﴾، فخرج بهذا ما عدا الصفرة من الألوان. وهذا نوع تضييق؛ ثانياً بكونها: ﴿ فاقع لونها ﴾؛ و "الفاقع" يعني الصافي؛ والمعنى: أنه ليس فيه ما يشوبه، ويخرجه عن الصفرة؛ وقيل: معنى ﴿ فاقع لونها ﴾ أي شديد الصفرة، وهو كلما كان صافياً كان أبين في كونه أصفر؛ ثالثاً بكونها: ﴿ تسر الناظرين ﴾ يعني ليست صفرتها صفرة توجب الغم؛ أو صفرتها مستكرهة؛ بل هي صفرة تجلب السرور لمن نظر إليها؛ فصار التضييق من ثلاثة أوجه: صفراء؛ والثاني: فاقع لونها؛ والثالث: تسر الناظرين..
.﴿ ٧٠ ﴾ قوله تعالى: ﴿ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ﴾: هذا أيضاً طلب ثالث؛ يقولون: ﴿ ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ﴾ أي من حيث العمل؛ ﴿ إن البقر تشابه علينا ﴾ أي اشتبه علينا البقرة المطلوبة؛ وفي الحقيقة أنه ليس في هذا اشتباه؛ إذ ذُكر لهم أنها بقرة، وذكر لهم سنها؛ وذكر لهم لونها؛ فأين التشابه؟! لكن هذا من عنادهم، وتعنتهم، وتباطئهم في تنفيذ أمر الله..


الصفحة التالية
Icon