قوله تعالى: ﴿ ويمدهم في طغيانهم يعمهون ﴾؛ الطغيان مجاوزة الحد، كقوله تعالى: ﴿إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية﴾ [الحاقة: ١١] ؛ و "العمه" الضلال؛ والمعنى أن الله يبقيهم ضالين في طغيانهم؛ واعلم أن بين "يَمد" الثلاثي، و"يُمد" الرباعي فرقاً؛ فالغالب أن الرباعي يستعمل في الخير، والثلاثي في الشر؛ قال الله تعالى: ﴿ونمد له من العذاب مداً﴾ [مريم: ٧٩] : وهذا في الشر؛ وقال تعالى: ﴿وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون﴾ [الطور: ٢٢] : وهذا في الخير؛ وهنا قال تعالى: ﴿ ويَمدهم ﴾: فهو في الشر..
الفوائد:
. ١ من فوائد الآيتين: ذلّ المنافق؛ فالمنافق ذليل؛ لأنه خائن؛ فهم ﴿ إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ﴾ خوفاً من المؤمنين؛ و﴿ إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ﴾ خوفاً منهم؛ فهم أذلاء عند هؤلاء، وهؤلاء؛ لأن كون الإنسان يتخذ من دينه تَقيَّة فهذا دليل على ذله؛ وهذا نوع من النفاق؛ لأنه تستر بما يُظَن أنه خير وهو شر..
. ٢ ومنها: أن الله يستهزئ بمن يستهزئ به، أو برسله، أو بشرعه جزاءً وفاقاً؛ واعلم أن ها هنا أربعة أقسام:
قسم هو صفة كمال لكن قد ينتج عنه نقص: هذا لا يسمى الله تعالى به؛ ولكن يوصف الله به، مثل "المتكلم"، و"المريد"؛ فـ"المتكلم"، و"المريد" ليسا من أسماء الله؛ لكن يصح أن يوصف الله بأنه متكلم، ومريد على سبيل الإطلاق؛ ولم تكن من أسمائه؛ لأن الكلام قد يكون بخير، وقد يكون بشر؛ وقد يكون بصدق، وقد يكون بكذب؛ وقد يكون بعدل، وقد يكون بظلم؛ وكذلك الإرادة..
القسم الثاني: ما هو كمال على الإطلاق، ولا ينقسم: فهذا يسمى الله به، مثل: الرحمن، الرحيم، الغفور، السميع، البصير... وما أشبه ذلك؛ وهو متضمن للصفة؛ وليس معنى قولنا: "يسمى الله به" أن نُحْدِث له اسماً بذلك؛ لأن الأسماء توقيفية؛ لكن معناه أن الله سبحانه وتعالى تَسَمَّى به..


الصفحة التالية
Icon