وفي هذه الآية نجد اختلافاً في الضمائر: ﴿ استوقد ﴾: مفرد؛ ﴿ حوله ﴾: مفرد؛ ﴿ بنورهم ﴾: جمع؛ ﴿ تركهم ﴾: جمع؛ ﴿ لا يبصرون ﴾: جمع؛ قد يقول قائل: كيف يجوز في أفصح الكلام أن تكون الضمائر مختلفة والمرجع فيها واحد؟ الجواب من وجهين:.
الأول: أن اسم الموصول يفيد العموم؛ وإذا كان يفيد العموم فهو صالح للمفرد، والجمع؛ فتكون الضمائر في ﴿ استوقد ﴾، و﴿ حوله ﴾ عادت إلى اسم الموصول باعتبار اللفظ؛ وأما ﴿ نورهم ﴾، و﴿ تركهم ﴾، و﴿ لا يبصرون ﴾ فعادت إلى الموصول باعتبار المعنى..
الوجه الثاني: أن الذي استوقد النار كان مع رفقة، فاستوقد النار له، ولرفقته؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم... ﴾ إلخ..
وعلى الوجه الثاني تكون الآية ممثلة لرؤساء المنافقين مع أتباعهم؛ لأن رأس المنافقين هو الذي استوقد النار، وأراد أن ينفع بها أقرانه، ثم ذهبت الإضاءة، وبقيت الحرارة، والظلمة، وتركهم جميعاً في ظلمات لا يبصرون..
قوله تعالى: ﴿ وتركهم في ظلمات ﴾: جمعها لتضمنها ظلمات عديدة؛ أولها: ظلمة الليل؛ لأن استيقاد النار للإضاءة لا يكون إلا في الليل؛ لأنك إذا استوقدت ناراً بالنهار فإنها لا تضيء؛ و الثانية: ظلمة الجو إذا كان غائماً؛ و الثالثة: الظلمة التي تحدث بعد فقد النور؛ فإنها تكون أشد من الظلمة الدائمة؛ و﴿ لا يبصرون ﴾ تأكيد من حيث المعنى لقوله تعالى: ﴿ في ظلمات ﴾ دال على شدة الظلمة..


الصفحة التالية
Icon