فالله عز وجل أقسم بأشياء متضادة على أشياء متضادة: الليل ضد النهار، الذكر ضد الأنثى، السعي متضاد صالح وسيىء، فتناسب المقسم به والمقسم عليه، وهذا من بلاغة القرآن. فالمعنى أن اختلاف الليل والنهار والذكر والأنثى أمر ظاهر لا يخفى، فكذلك أعمال العباد متباينة متفاوتة، منها الصالح، ومنها الفاسد، ومنها ما يخلط صالحاً وفاسداً، كل ذلك بتقدير الله عز وجل، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ثم فصّل هذا السعي المتفرق فقال: ﴿فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى﴾. ﴿فأما من أعطى﴾ أي: أعطى ما أمر بإعطائه من مال، أو جاه، أو علم. ﴿واتقى﴾ اتقى ما أمر باتقائه من المحرمات. ﴿وصدق بالحسنى﴾ أي: صدق بالقولة الحسنى وهي قول الله عز وجل، وقول رسوله صلى الله عليه وسلّم، لأن أصدق الكلام، وأحسن الكلام كلام الله عز وجل. ﴿فسنيسره لليسرى﴾ السين: هنا للتحقيق أي: أن من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسييسره الله عز وجل لليسرى في أموره كلها، في أمور دينه ودنياه، ولهذا تجد أيسر الناس عملاً هو من اتقى الله عز وجل، من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له. قال تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له من أمره يسًرا﴾. [الطلاق: ٤]. وكلما كان الإنسان أبعد عن الله كان أشد عسراً في أموره ولهذا قال: ﴿وأما من بخل﴾ فلم يعط ما أمر بإعطائه ﴿واستغنى﴾ استغنى عن الله عز وجل، ولم يتق ربه، بل رأى أنه في غنى عن رحمة الله. ﴿وكذب بالحسنى﴾ أي: بالقولة الحسنى، وهي قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ﴿فسنيسره للعسرى﴾ ييسر للعسرى في أموره كلها، ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول: نجد أن الكفار تيسر أمورهم فيقال: نعم. قد تيسر أمورهم، لكن قلوبهم تشتعل ناراً وضيقاً وحرجاً كما قال تعالى: ﴿ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء﴾. [الأنعام: ١٢٥]. ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد