وأما انشراح الصدر للحكم القدري، فالإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره، مطمئناً إليه، يقول: أنا عبد، والله رب يفعل ما يشاء، هذا الرجل الذي على هذه الحال سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم، هو يتألم لكنه لا يصل إلى أن يحمل هًّما أو غمًّا ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له»، إذاً شرح الصدر يعني توسعته وتهيئته لأحكام الله الشرعية والقدرية، لا يضيق بأحكام الله ذرعاً إطلاقاً، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلّم له الحظ الأوفر من ذلك، ولهذا تجده أتقى الناس لله، وأشدهم قياماً بطاعة الله، وأكثرهم صبراً على أقدار الله، ماذا فعل الناس به حين قام بالدعوة؟ وماذا يصيبه من الأمراض؟ حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا يعني من المرض يشدد عليه يعني كرجلين منا، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم». وحتى أنه شدد عليه عند النزع عند الموت عليه الصلاة والسلام حتى يفارق الدنيا وهو أصبر الصابرين، والصبر درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر عليه، أما الشيء اليسير البارد فلا صبر عليه، لهذا نجد الأنبياء أكثر الناس بلاء ثم الصالحين الأمثل فالأمثل. ﴿ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك﴾ قد يقول قائل: إن بين الجملتين تنافر، الجملة الأولى فعل مضارع ﴿نشرح﴾ والثانية فعل ماض ﴿وضعنا﴾ لكن بناء على التقرير الذي قلت وهو أن ﴿ألم نشرح﴾ بمعنى قد شرحنا يكون عطف ووضعنا عطفه على نظيره ومثيله ﴿ووضعنا عنك وزرك﴾ وضعناه أي طرحناه وعفونا وسامحنا وتجاوزنا عنك ﴿وزرك﴾ أي إثمك ﴿الذي أنقض ظهرك﴾ يعني أقضه وآلمه؛ لأن الظهر


الصفحة التالية
Icon