تعالى: ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾ [البقرة: ٢٨٦]. فقال الله قد فعلت، ومثل ذلك القاسط والمقسط، القاسط هو الجائر، والمقسط هو العادل، قال الله تعالى: ﴿وأقسطوا إن الله يحب المقسطين﴾ [الحجرات: ٩]. وقال تعالى: ﴿وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً﴾ [الجن: ١٥]. إذاً ﴿خاطئة﴾ أي مرتكبة للإثم عمداً. ﴿فليدع ناديه﴾ اللام هنا للتحدي، يعني إن كان صادقاً وعنده قوة، وعنده قدرة فليدع ناديه، والنادي هو مجتمع القوم للتحدث بينهم والتخاطب والتفاهم والاستئناس بعضهم ببعض، وكان أبو جهل معظمًا في قريش، وله نادي يجتمع الناس إليه فيه، ويتكلمون في شؤونهم فهنا يقول الله عز وجل إن كان صادقاً فليدع ناديه، وهذا لا شك أنه تحدي، كما تقول لعدوك إن كان لك قوم فتقدم وما أشبه ذلك من الكلمات الدالة على التحدي. ﴿سندع الزبانية﴾ يعني عندنا من هم أعظم من نادي هذا الرجل وهم الزبانية ملائكة النار، وقد وصف الله ملائكة النار بأنهم غلاظ شداد، غلاظ في الطباع، شداد في القوة ﴿لا يعصون الله ما أمرهم﴾ [التحريم: ٦]. بل يمتثلون كل ما أمرهم الله به ﴿ويفعلون ما يؤمرون﴾ لا يعجزون عن ذلك فوصفهم بوصفين أنهم في تمام الانقياد لله عز وجل ﴿لا يعصون الله ما أمرهم﴾ وأنهم في تمام القدرة ﴿ويفعلون ما يؤمرون﴾ وعدم تنفيذ أمر الله عز وجل إما أن يكون للعجز، وإما أن يكون للمعصية، فمثلاً الذي لا يصلي الفرض قائماً قد يكون للعجز، وقد يكون للعناد فهو لا ينفذ أمر الله، لكن الملائكة الذين على النار ليس عندهم عجز، بل عندهم قوة وقدرة، وليس عندهم استكبار عن الأمر، بل عندهم تمام التذلل والخضوع، هؤلاء الزبانية لا يمكن لهذا وقومه وناديه أن يقابلوهم أبداً ولهذا قال: ﴿سندع الزبانية﴾ فإن قال قائل: أين الواو في قوله ﴿سندع﴾؟ قلنا: إنها محذوفة لالتقاء الساكنين، لأن الواو ساكنة والهمزة همزة الوصل ساكنة، وإذا التقى ساكنان فإنه إن كان الحرف صحيحاً كسر، وإن كان


الصفحة التالية
Icon