والصحيح أنه شامل للمعنيين، فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم، وشرف كبير، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك. ثم قال جل وعلا: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ هذه الجملة بهذه الصيغة يستفاد منها التعظيم والتفخيم، وهي مطردة في القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين﴾ [الانفطار: ١٧، ١٨]. وقال تعالى: ﴿الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة﴾ [الحاقة: ١ ـ ٣]. ﴿القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة﴾ فهذه الصيغة تعني التفخيم والتعظيم فهنا قال: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ أي ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها، ثم بين هذا بقوله: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ وهذه الجملة كالجواب للاستفهام الذي سبقها، وهو قوله: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ الجواب: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ أي من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، والمراد بالخيرية هنا ثواب العمل فيها، وما ينزل الله تعالى فيها من الخير والبركة على هذه الأمة، ولذلك كان من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة فقال: ﴿تنزل الملائكة والروح فيها﴾ أي تنزل شيئاً فشيئاً؛ لأن الملائكة سكان السموات، والسموات سبع فتتنزل الملائكة إلى الأرض شيئاً فشيئاً حتى تملأ الأرض، ونزول الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والخير والبركة، ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك دليلاً على أن هذا المكان الذي امتنعت الملائكة من دخوله قد يخلو من الخير والبركة كالمكان الذي فيه الصور، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، يعني صورة محرمة؛ لأن الصورة إذا كانت ممتهنة في فراش أو مخدة، فأكثر العلماء على أنها جائزة، وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول المكان، لأنه لو امتنعت لكان ذلك ممنوعاً، فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة، ونزولهم خير وبركة. ﴿والروح﴾ هو جبريل


الصفحة التالية
Icon