جميعاً بدون مناقضة، والذي ينبغي لمفسر القرآن أن الاية إذا كانت تحتمل معنيين بدون مناقضة أن يحملها على المعنيين جميعاً، فالشهداء هم أولوا العلم، وهم الذين قتلوا في سبيل الله، وكلهم مرتبتهم عالية فوق سائر المتبعين للرسل إلا الصديقين؛ قال تعالى: ﴿والصالحين﴾ وهم أدنى الطبقات، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات على اختلاف طبقاتهم هم خير البرية، أي خير ما خلق الله عز وجل من البرايا، ثم بين جزاءهم فقال ﴿جزاؤهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ وهنا قدم الله الثناء على المؤمنين الذين عملوا الصالحات على ذكر جزائهم، لأن ثناء الله عليهم أعظم مرتبة وأعلى منقبة، فلذلك قدمه على الجزاء الذي هو جزاؤهم في يوم القيامة ﴿جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار﴾ ﴿جنات﴾ جمعها لاختلاف أنواعها، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: إن الجنات «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما»، وإلى هذا يشير قول الله تعالى: ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ [الرحمن: ٤٦]. ثم ذكر أوصاف هاتين الجنتين، ثم قال: ﴿ومن دونهما جنتان﴾ [الرحمن: ٦٢]. فلهم جنات والجنات التي ذكرها الله تعالى جزاء للمؤمنين العاملين الصالحات هي عبارة عن منازل عظيمة أعدها الله عز وجل للمؤمنين المتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولا يمكن لإنسان في هذه الدنيا أن يتصور كيف نعيم الاخرة أبداً، لأنه أعلى وأجل مما نتصور، قال ابن عباس رضي الله عنهما (ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء)، لكنها الحقائق تختلف اختلافاً عظيماً، قال عز وجل: ﴿جنات عدن﴾ العدن بمعنى الإقامة في المكان وعدم النزوح عنه، ومن تمام نعيم أهل الجنة أن كل واحد منهم لا يطلب تحولاً عما هو عليه من النعيم، لأنه لا يرى أن أحداً أكمل منه، ولا يحس في قلبه أنه في غضاضة بالنسبة لمن هو أرقى منه وأكمل قال الله تبارك وتعالى: {لا يبغون عنها