رأوا أهل التوحيد قد خلصوا من العذاب ونجوا منه أنكروا الشرك لعلهم ينجون، ولكنهم يختم على أفواههم، وتكلم الأيدي، وتشهد الأرجل والجلود والألسن كلها تشهد على الإنسان بما عمل، وحينئذ لا يستيطع أن يبقى على إنكاره بل يقر ويعترف، إلا أنه لا ينفع الندم في ذلك الوقت. وقوله: ﴿يومئذ تحدث أخبارها﴾ هو جواب الشرط في قوله تعالى: ﴿إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها﴾. قوله: ﴿بأن ربك أوحى لها﴾ أي بسبب أن الله أوحى لها، يعني أذن لها في أن تحدث أخبارها، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير إذا أمر شيئاً بأمر فإنه لابد أن يقع، يخاطب الله الجماد فيتكلم الجماد كما قال الله تعالى: ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين﴾ [فصلت: ١١]. وقال الله تعالى للقلم اكتب، قال: ربِّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. وقال الله تعالى: ﴿اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون﴾ [يس: ٦٥]. فالله عز وجل إذا وجه الكلام إلى شيء ولو جماداً فإنه يخاطب الله ويتكلم ولهذا قال: ﴿يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها﴾ قوله: ﴿يومئذ﴾ يعني يومئذ تزلزل الأرض زلزالها. ﴿يصدر الناس أشتاتاً﴾ أي جماعات متفرقين، يصدرون كل يتجه إلى مأواه، فأهل الجنة ـ جعلنا الله منهم ـ يتجهون إليها، وأهل النار ـ والعياذ بالله ـ يساقون إليها ﴿يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً. ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً. لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً﴾ [مريم: ٨٥ ـ ٨٧]. فيصدر الناس جماعات وزمراً على أصناف متباينة تختلف اختلافاً كبيراً كما قال الله تعالى: ﴿انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً﴾ [الإسراء: ٢١]. ﴿ليروا أعمالهم﴾ يعني يصدرون أشتاتاً فيروا أعمالهم، يريهم الله تعالى أعمالهم إن خيراً فخير، وإن شًّرا فشر، وذلك


الصفحة التالية
Icon