والصواب أن الاية شاملة لهذا وهذا، فالله شهيد على ما في قلب ابن آدم، وشهيد على عمله، والإنسان أيضاً شهيد على نفسه، لكن قد يقر بهذه الشهادة في الدنيا، وقد لا يقر بها فيشهد على نفسه يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون﴾ [النور: ٢٤]. ﴿وإنه﴾ أي الإنسان ﴿لحب الخير لشديد﴾ الخير هو المال كما قال الله تعالى ﴿كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية﴾ [البقرة: ١٨٠]. أي: إن ترك مالاً كثيراً. فالخير هو المال، والإنسان حبه للمال أمر ظاهر، قال الله تعالى: ﴿وتحبون المال حبًّا جًّما﴾ [الفجر: ٢٠]. ولا تكاد تجد أحداً يسلم من الحب الشديد للمال، أما الحب مطلق الحب فهذا ثابت لكل أحد، ما من إنسان إلا ويحب المال، لكن الشدة ليست لكل أحد، بعض الناس يحب المال الذي تقوم به الكفاية، ويستغني به عن عبادالله، وبعض الناس يريد أكثر، وبعض الناس يريد أوسع وأوسع. فالمهم أن كل إنسان فإنه محب للخير أي للمال، لكن الشدة تختلف، ويختلف فيها الناس من شخص لاخر، ثم إن الله تعالى ذكَّر الإنسان حالاً لابد له منها فقال: ﴿أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور﴾ فيعمل لذلك، ولا يكن همه المال ﴿أفلا يعلم﴾ أي يتيقن. ﴿إذا بعثر ما في القبور﴾ أي: نشر وأظهر فإن الناس يخرجون من قبورهم لرب العالمين، كأنهم جراد منتشر، يخرجون جميعاً بصيحة واحدة ﴿إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون﴾ [يس: ٥٣]. ﴿وحصل ما في الصدور﴾ أي ما في القلوب من النيات، وأعمال القلب كالتوكل، والرغبة، والرهبة، والخوف، والرجاء وما أشبه ذلك. وهنا جعل الله عز وجل العمدة ما في الصدور كما قال تعالى: ﴿يوم تبلى السرائر. فما له من قوة ولا ناصر﴾ [الطارق: ٩، ١٠]. لأنه في الدنيا يعامل الناس معاملة الظاهر، حتى المنافق يعامل كما يعامل المسلم حقًّا، لكن في الاخرة العمل على ما في القلب، ولهذا يجب علينا أن نعتني بقلوبنا


الصفحة التالية
Icon