الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بهذا المعنى فقال: إن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال، والأعمال الظاهرة، والباطنة. وقوله: ﴿رب هذا البيت﴾ يعني به الكعبة المعظمة، وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه في قوله تعالى: ﴿وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود﴾ [الحج: ٢٦]. وهنا أضاف ربوبيته إليه قال: ﴿رب هذا البيت﴾ وإضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف والتعظيم ﴿طهر بيتي للطائفين﴾ أضاف الله البيت إليه تشريفاً وتعظيماً، إذاً خصص البيت بالربوبية مرة، وأضافه إلى نفسة مرة أخرى تشريفاً وتعظيماً، وفي آية ثانية قال: ﴿إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها﴾ وبعدها قال: ﴿وله كل شيء﴾ احتراز من أن يتوهم واهم بأنه رب البلدة وحدها فقال: ﴿وله كل شيء﴾، ولكل مقام صيغة مناسبة، ففي قوله: ﴿إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء﴾ [النمل: ٩١]. مناسبة بيان عموم ملكه، لئلا يدعي المشركون أنه رب للبلدة فقط، أما هنا فالمقام مقام تعظيم للبيت فناسب ذكره وحده قوله: ﴿الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ ﴿الذي﴾ هذه صفة للرب، إذاً فمحلها النصب، ولهذا يحسن أن تقف فتقول ﴿فليعبدوا رب هذا البيت﴾ ثم تقول: ﴿الذي أطعمهم﴾ لأنك لو وصلت فقلت: «رب هذا البيت الذي أطعمهم» لظن السامع أن «الذي» صفة للبيت، وهذا بعيد من المعنى ولا يستقيم به المعنى. ﴿الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ بين الله نعمته عليهم، النعمة الظاهرة والباطنة، فإطعامهم من الجوع وقاية من الهلاك في أمر باطن، وهو الطعام الذي يأكلونه، ﴿وآمنهم من خوف﴾ وقاية من الخوف في الأمر الظاهر؛ لأن الخوف ظاهر، إذا كانت البلاد محوطة بالعدو، وخاف أهلها وامتنعوا عن الخروج، وبقوا في ملاجئهم، فذكرهم الله بهذه النعمة، ﴿وآمنهم من خوف﴾ آمن مكان في الأرض هو مكة، ولذلك لا يُقطع شجرها، ولا يُحش حشيشها، ولا تُلتقط ساقطتها، ولا يصاد صيدها، ولا يسفك فيها


الصفحة التالية
Icon